اعادت احداث غزه الداميه وما يرتكبه جيش الاحتلال الأسرائيلي من عدوان سافر الى ذاكرة الشعب العربي موقف الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر من القضية الفلسطينية وعلى الأخص موقفه من سياسة الفصل العنصري الذي تمارسه في الضفة الغربية .
لي مع هذا الرجل قصة اسردها للقارئ العزيز :
عندما تقاعدت من آخر وظيفة شغلتها في حياتي المهنيه وهي مدير عام صندوق اوبك للتنميه الدوليه OFID في فينا ، تلقيت العديد من المكالمات والبرقيات التي تشكرني على "ما بذلته من جهد في اداء مهمتي "كما يقولون ، من اهمها رسالة من الرئيس الامريكي السابق جيمي كارتر تقول :
" السيد المدير العام : ١٩١٩/٣/٥
نهنئك بمناسبة تقاعدك عن العمل . ويسرنا “روزالين “وأنا أن ننضم الى اسرتك واصدقائك وزملائك للاحتفال بقيادتك الفذه Tremendous Leadership خلال الاعوام الخمسة عشر الماضيه ، ونحن ممنونون لدعمكم وشراكتكم مع مركز كارتر للتصدي للامراض الاستوائيه في شتى انحاء العالم .
اتمنى لك كل السعاده في الفصل التالي من حياتك "
المخلص :
جيمي كارتر .
كان مجلس المحافظين في اوفيد قد فوضني بالتوقيع على منحتين لمركز كارتر قي اتلانتا بولاية جورجيا بمبلغ مليون دولار احداهما لمكافحة العمى النهري River blindness ، والثانيه للمساهمه في القضاء على الدوده الغينيه Guinea Worm في عدد من الدول الفقيره وكلا الوباءين يسبب العمى او الشلل .
في شهر اكتوبر من عام ٢٠١٠ كنت كعادتي من كل سنه احضر اجتماعات البنك الدولي في واشنطن العاصمه ، اتصل بي مكتب الرئيس واخبرني ان الرئيس كارتر مستعد للحضور الى واشنطن للتوقيع على المنحتين معي ، ولم يكن من اللائق ان اطلب من شريك بهذا السن والمكانه ان يشد الرحال الى واشنطن مع كل ما يتطلبه ذلك من اجراءات منها دواعي الامن وظروف الرئيس الصحيه . فقررت ان يكون التوقيع في المركز الذي يحمل اسمه في عاصمة الولايه…
في الطريق الى اتلانتا كان الهاجس الرئيسي لدي هو : اي انطباع سأتركه عند الرئيس بصفتي عربي انتمي لدولة شريكة
للولايات المتحده تضع قضية فلسطين في صدارة اولويات سياستها الخارجيه , وفي نفس الوقت مسؤول عن منظمة تعنى بمكافحة الفقر بكافة اشكاله في العالم .
قلت للرئيس ( وقد استقبلني هاشاً باشاً)انني قضيت شطراً كبيرا ًمن حياتي المهنيه في وزارة البترول والثروة المعدنيه في المملكة العربية السعوديه واننا في الوزاره نكن لك كل التقدير والاحترام فانت الذي اخذ مشكلة الطاقه في امريكامأخذ الجد وانشأ اول وزارة لها وبحثت عن الحلول داخل الولايات المتحده لاخارحها .انفرجت اسارير الرئيس فقلت له اننا في وزارة البترول تابعنا خطابك الشهير الذي القيته على الشعب الامريكي عشية الثامن عشر من ابريل عام ١٩٧٧ لحضه على الاستعداد لمواجهة ازمة الطاقه وفيه وصفت تلك الازمه بأنها المعادل الوجداني للحرب او The Moral equivalent of War , وهو مصطلح ارتبط باسمك . كنت اسرد هذه المعلومات ليس بغرض المناقشه او شرح وجهة نظرنا حيالها فهو شأن مضى وانقضى، كل ماكنت ارمي اليه هو ان اقضي يوما مثمرا مع هذا الرجل الذي اظن احيانا انه دخل البيت الابيض بالصدفه .
اختتمت حديثي مع الرئيس بأن اخبرته انني كنت فيً واشنطن في الاشهر الاربعه الاولى من رئاسته ضمن وفود من عدة دول بدعوة من وزارة الخارجيه الامريكيه لشرح خطة الطاقه التي قدمها الرئيس فيما بعد للكونجرس ، وانفرجت اساريره مرة اخرى عندما ختمت كلامي بانني كنت الموظف المرافق لوزير الطاقه تشالز دنكن عند زيارته للمملكه وهو ثاني وزير يتولي الوزاره بعد مؤسسها جيمس شلزنجر ، وقد رافقت الوزير الضيف بتكليف من معالي الوزير المرحومً الشيخ احمد زكي يماني في جولة شملت عددا من اصحاب المعالي في مكاتبهم . كان يتابعني والابتسامة التي كانت احد اسلحته ضد منافسه جيرالد فورد تعلو محياه.
ساهمت هذه المعلومات في توطيد علاقتنا وصار فيما بعد يهاتفني كل سنة في الاسبوع الاول من شهر يناير للتهنئة بالعام الجديد وتجديد اواصر العلاقه بين اوفيد والمركز .
بعد هذه الدردشه ذهبنا الي القاعه المخصصه للتوقيع .
رحب بي وزملائي المرافقين واثنى على جهودالدول الاعضاء في منظمة اوبك على مايبذلونه في مساعدة الدول الفقيره وقال ان احدى المنح التي وقعناها تساهم بنسبةً٩٩٪؜ في القضاء على الوباء .
عندما اخذت الكلمه همست باذن الرئيس وقلت انني كعربي اجد للمره الاولى معني ايجابياً مختلفاً لتلك النسبة المئويه التي ذكرتها فضحك بصوت عال وكرر ما سمعه مني على جمهور الحاضرين العاملين في المركز .
في هذا الجو المرح وجدتها فرصة للحديث عما تقوم به دول الاوبك من جهود لاستقرار الحياة في الدول الناميه وشرحت ذلك من خلال ماتقوم به صناديق التنميه من جهود للقضاء على الفقر وضربت المثل بصندوق اوبك OFIDوالصندوق السعودي للتنميه والبنك الاسلامي ثم شرحت
ماتقوم به اوبك من جهود لاستقرار السوق البتروليه ونوهت بالجهود التي تبذلها المملكه لتعميق الحوار بين منتجي ومستهلكي الطاقه .
وفي ختام هذه المناسبه دخلت معه في مكتب صغير واهداني مجموعة من كتبه من اهمها الكتاب الذي سبب له بعض المتاعب وهو : فلسطين : سلام ام فصل عنصري
PALESTINE : PEACE NOT APARTHEID :.
الكتاب كما يعلم كل من قرأه نقد صريح للسياسه العنصريه الاستيطانيه التي تطبقها الحكومه الاسرائيليه في الاراضي المحتله وهي مماثلة لنفس السياسه التي انتهجتها حكومة جنوب افريقيا ، وكانت هذه السياسه هي موضوع تقرير منظمة العفو الدوليه الذي تناقلته وسائل الاعلام اول فبراير ٢٠٢٢ ، وسبب حرجاً لازال قائما للحكومة الاسرائيليه بصرف النظر عمن يحكم .،كنا واقفين، لم تكن صحته تسمح بمزيد من الوقت،شكرته وانا اضع اصبعي على الملحق السادس في الكتاب وهو مبادرة السلام العربيه وعندها قال ان هذه المبادره في صالح الجميع وهو يعلم بلاشك ان المبادره خرجتً من الرياض .ودعته وخرجت، وفي طريقي للمطار سألتني الزميله المرافقة وهي نمساوية من اصل فلسطيني : بماذا خرجت من السيد كارتر مشيرة الى الكتاب ذاته قلت : بهذا الكتاب وحديث مع رجل كانت قضية السلام في فلسطين
تؤرقه قبل ان يصل البيت الابيض باربع سنوات ثم اربعاًاخري بعد فوزه بالرئاسه
ثم شجاعته ان يصدر مثل هذالكتاب بعد خروجه من البيت الابيض ، ومتى ما تكرر هذا الشخص في نفس المكان سيكون لنا وللعالم كله حديث مختلف .