الصورة تعادل ألف كلمة، كما يقول المثل الصيني. وإن نقل صور الأحداث الحيّة، لا سيما تلك الملطخة بالدماء، كطفل محمول بين يدي أمه، تحضنه وتجري به صوب سيارة الإسعاف، إن وجدت، أو تواصل جريها راجلة، لمسافات طويلة، لتوصله إلى أقرب مستشفى مفتوح.. هذا حالُ الغزاويين، ليلاً ونهاراً، وعلى مدى شهر ونيف، دون توقف: منذ بدء قصف قوات إسرائيل، غير المسبوق، دون مراعاة للقانون الإنساني الدولي، أو مضامين اتفاقية جنيف الدولية، التي تحدد حقوق المدنيين وقت الاحتلال.
هذه الحالة الكارثية والصور المأساوية لا تقيم إسرائيل لها أي اعتبار، على الرغم من أن عديداً من الدول العربية قد استنكرت فعل حركة «حماس» في هجومها المباغت يوم 7 أكتوبر 2023. وفي ظل هذه الصورة الخطيرة للمشهد الراهن في غزة، هناك مطالبات من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، بضرورة وقف إطلاق النار، حتى بصورة مؤقتة.
هذه الصور الدموية، البشعة والحية المنقولة على شاشات التلفاز، لأطفال ونساء وشيوخ غزة، كان لها تأثيرها النفسي على الرأي العام العربي والإسلامي وبعض الدول المتعاطفة، بينما الرأي العام العالمي، واجه اختباراً صعباً، كان في البداية مرهوناً بالصور الأحادية «المقلوبة» التي تنقلها وسائل الإعلام الأوروبية، بما صاحبها من تشويه (غير أخلاقي) قلب الصورة الحقيقية للإنسان الفلسطيني في غزة، حتى تأثر الرئيس بايدن بالرواية المضللة عن ذبح الأطفال الإسرائيليين، وقطع رؤوسهم. هذه الصورة السلبية التي انكشفت في حرب غزة، هي الدعوات والادعاءات التي روّجت لها الدول الغربية طوال العقود الماضية: بحمايتها لحقوق الإنسان، وعلمانيتها في المساواة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية.
مقابل هذه الصورة نذكر ما قاله مؤخراً رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إيهود باراك، من أن تل أبيب فقدت الدعم العام في أوروبا، وأن مستوى التعاطف معها يشهد انحساراً، ما يثير قلقًا بالنسبة له، وفي مقابلة مع صحيفة «بوليتيكو» الأميركية، أشار «باراك» إلى أن الخطاب الرسمي للمسؤولين الأميركيين تغير في الأيام الأخيرة.
وسائل الإعلام العربية استطاعت بث صور حية لما يجري في غزة، تفاعلت معها الجاليات العربية والإسلامية في الخارج، واستطاعت برفقة بعض التيارات المتعاطفة مع حرب غزة أن تجلب نظر الحكومات، في فرنسا وإنجلترا وبلجيكا وأميركا إلى واقع ما يجري في غزة، ما جعل هذه الحكومات تغير لهجتها بشيء من الإنصاف لصالح الأوضاع في غزة. في هذا السياق، نذكر وزير خارجية إسرائيل السابق، الذي خاطب وسائل الإعلام الغربية، بقوله: «إذا نقلت الرأي والرأي الآخر فإنها تخدم حماس، وإذا كانت وسائل الإعلام العالمية موضوعية في نقلها فإنها تخدم حماس».
يُمكن رصد نقاط عديدة للرفض العالميّ لسياسة إسرائيل في التعامل مع تطورات الأمور داخل قطاع غزة، منها: تنظيم مسيرات ووقفات تضامنية مع الشعب الفلسطيني حول العالم، تدعو إلى دعم الشعب الفلسطيني ووقف الجرائم، وقد لاحظت مجلة «نيوزويك» الأميركية أن الرئيس الأميركي جو بايدن يواجه تصاعداً في الغضب لدى الشباب الذين ينددون بقوة بدعم الولايات المتحدة غير المشروط لإسرائيل في حربها على قطاع غزة. ظهرت بعض مواقف الدول وقادتها، الذين وصفوا العدوان على غزة بأنه «حرب إبادة».
ومن الأهمية الإشارة إلى أن اليهود في أنحاء العالم انتقدوا سياسات «اليمين المتطرف» في إسرائيل، وقاموا بالتظاهر أمام تمثال الحرية في نيويورك، ورفضوا أن تُربَط هذه الحرب بأسمائهم. في مواجهة الأمور الجادة والجوهرية، تراجعت الأطراف الإقليمية التي تزايد على القضية الفلسطينية، وها هي دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية تعمل بكل الطرق الممكنة لتحتوي حمولات حرب غزة ومآلاتها.
*سفير سابق