هل للآفات المتناسلة في وسائط التواصل من نهاية؟ ببركات الشبكة صارت ميادين الآداب والفنون والإعلام وكالات بلا بوّابين. أمست التحفة السائدة هي: «إن البغاث بأرضنا يستنسرُ». في واقع كهذا، ما أهمّية أن يقول أبو الطيّب: «إن السلاح جميع الناس تحملهُ.. وليس كل ذوات المخلب السبُعُ». من فصول تلك المسرحيات التراجيكوميدية العربية، شاهدنا كيف اختُرعت وظائف إعلامية لم يَعرف إعلامٌ سابقة لها، يومَ طفقت فضائيةٌ تتلقى مراسلات من مسمّيات عجيبة: «ناشط إعلامي، شاهد عيان، ناشط سياسي».

وحدةٌ اندماجيةٌ بين الإعلام وفنون الإخراج والإلقاء المسرحي، وبوسائل كلها يسرٌ لا عسر: يجلس «الناشط الإعلامي، شاهد العيان» في مكتب مجاور للأستوديو، ويصف المشاهد (وهو شاهد ما شافش حاجة)، والمخرج يتفنّن في استخدام المؤثرات الصوتية، الهتافات، الرصاص المتبادل، سيارات الإسعاف. في تلك الأيام، أجرى القلم حواراً مع أبي العلاء المعرّي كشاهد عيان، في أحداث معرّة النعمان، ونشر الحوار في هذه الزاوية.

دخول الفن التمثيلي على خط هذه المفارقات، يفتح الباب على مصراعيه لمَشاهد تزيد الطين بِلاّت كلها ويلات. لقد هدمت وسائط التواصل الحواجز وأزالت الموانع المتمثلة في القواعد والضوابط والأسس الفنيّة، وغدت الأعمال لا تتجاوز الدقيقتين أو الثلاث، في الإنستغرام والتيك توك والتلغرام وأخواتها، فما على القافزين على أسوار الفنون إلاّ اختزال العمل المسرحي، في مشهد أو مشهدين، وكفى الاستسهال المتطفلين شرّ معاناة الإبداع. يحزّ في النفس أن هؤلاء المهرجين في التطاول على الفنون، لا يسعون حتى إلى اكتساب المهارات الاحترافية في مستوياتها الدنيا. انتشرت في بلدان أمريكا الجنوبية منذ أكثر من سنة، في وسائط التواصل، مشاهد يتكرر فيها استخدام الإبرة المنوّمة لأغراض غير أخلاقية وغير إنسانية، في العيادات الطبية أو في البيوت. وهنا التقليد الأعمى، ففي بلداننا العربية لم نعرف بلوغ الخلاف مع الحماة حدّ التصميم على التخلص منها بارتكاب جريمة.

أدرك مختلقو هذا العبث اللاّأخلاقي، أن استعمال إبرة منوّمة مع الحماة غير معقول ولا مقنع، فلم يجدوا غير الاستعاضة عنها بالإبرة القاتلة، وهو أمر ينمّ عن غباء مركّب وتشويه للمجتمعات العربية الإسلاميّة كلها. لمثل هذا الهبوط المضاعف يُضرب المثل: «أحشفاً وسوءَ كيْلة؟» فلا يكفي أن الفكرة تقليد لدقيقتين من مشاهد لا وجود لها في العالم العربي، وفوق ذلك انهيار في القيم والمبادئ بإقحام أطفال في قصص لا تمتّ إلى الحياة العربية بصلة. تلك هي التربية المضادّة.

لزوم ما يلزم: النتيجة الاجتراحية: هل لدى الجهات المختصة في الأمن السيبراني وقت للتفكير في حلول؟ المنطلق: ما هي الرسالة التي يريد العابثون إرسالها؟ وإلى من؟