عقد في الرياض قمم ثلاث، إفريقية، وإسلامية عربية، غايتها اتخاذ موقف موحد من عدوان إسرائيل على غزة، وكان للقادة ما أرادوا، ولقد خط خطاب صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الدرب الذي سار عليه القادة جميعاً، وكان الخروج ببيان موحد من قبل أكثر من خمسين دولة إسلامية، وعدد من الدول الإفريقية علامة، جلية في نجاح الدبلوماسية السعودية بقيادة ولي العهد، وتجسيداً لما تحظى به المملكة من احترام وتقدير في المجتمع الدولي.

لقد تمخضت الاجتماعات عن قرارات واضحة، لا لبس فيها ولا تأويل، ومن تلك القرارات، إدانة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وجرائم الحرب والمجازر الهمجية الوحشية، وغير الإنسانية التي ترتكبها حكومة الاحتلال الإسرائيلي خلاله، وضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، والمطالبة بضرورة وقفه فوراً، ويجدر بنا التوقف عند هذا القرار قليلاً لنجد مفردات واضحة الوصف ظاهرة المعنى لما يجري في غزة المحتلة، ولم تتوار بين جمل فضفاضة، ولم تتخفِ خلف عبارات منمقة، فكانت قول فصل، وقرار جزل.

ومن تلك القرارات رفض توصيف هذه الحرب الانتقامية دفاعًا عن النفس أو تبريرها تحت أي ذريعة، والحقيقة أن بعضًا من الدول النافذة قد رسمت عبارة الدفاع عن النفس في إطار متفق عليه لتكون مبرراً لمواصلة ما تفعله قوى الاحتلال، لأن الحدث جلل، والمآسي تفوق الوصف، وكانت إسرائيل ومن تبعها في حاجة إلى تلك العبارة لترويجها للخاصة والعامة، وهم يعلمون علم اليقين أنها أبعد عن الواقع، وإن ردة الفعل مبالغ فيها، وليس لها سند قانوني، فهي دولة احتلال ترمي بوابل من القنابل على رؤوس المدنيين دون رادع.

كسر الحصار على غزة، وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري، ودعوة المنظمات الدولية إلى المشاركة في هذه العملية، والتأكيد على ضرورة دخول هذه المنظمات إلى القطاع، وحماية طواقمها، وتمكينها من القيام بدورها بشكل كامل، ودعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (انوروا)، هذا النص يشير إلى العراقيل التي تتبعها إسرائيل سابقاً وحالياً في الحد من وصول ما يحتاجه الشعب الفلسطيني في غزة، ومنع ذلك بعد اندلاع الحرب، ومن الغريب أن يسمح عالم هذا القرن بحدوث ذلك، وهو ما ينافي الأخلاق والقوانين الدولية والإنسانية، ومن العجب أن الإنسان الحالي إنسان التقنية التي وصل بموجبها إلى القمر، والمريخ، وصنع الطائرات والسيارات، وغيرها، يكون مجرداً من أبسط القيم الإنسانية، والقوانين التي كتبها بإملائه وخط يده، وأعجب من ذلك أن الدول ذاتها تطالب دول أخرى غير إسرائيل بالالتزام بها، وتتخذ قرارات عملية بحقها، وهذا ما لا يمكن فهمه.

لقد أشارت القرارات إلى جهود جمهورية مصر العربية، ودعم كل ما تتخذه من خطوات لمواجهة تبعات العدوان، لقد كانت مصر جسرًا منيعًا لمحاولة التهجير، كما أنها بوابة دخول المساعدات إلى القطاع، ومرتكز مرور الاحتياجات إلى غزة، وهي بهذا تلعب دورًا رئيساً، ولا ننسى أنها خاضت حروباً عديدة مع الاحتلال، فهي تعرف الكثير عنه.

التأكيد على ضرورة تحرك المجتمع الدولي فورياً لإطلاق عملية سلمية جادة وحقيقية لفرض السلام على أساس حل الدولتين الذي يلبي جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وخصوصاً حقه في تجسيد دولته المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من يونيو حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية لتعيش بأمن وسلام بجانب إسرائيل، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية بكامل عناصرها، هذا التأكيد يبين للعالم أن المجتمعين ينشدون السلام العادل الذي يحفظ للفلسطينيين كامل حقوقهم، بناء على الشرعية الدولية، والمبادرة العربية، وهذا يعني عودة الأراضي المحتلة منذ عام سبعة وستون إلى الشعب الفلسطيني بما فيها القدس الشرقية، وحل قضية اللاجئين، وحقهم في العودة إلى أرضيهم، وتعويضهم. وهذا ما كانت وما زالت تنادي به المملكة العربية السعودية، ولو أن دولة الاحتلال الإسرائيلي، والمجتمع الدولي، استمع إلى صوت الحق الذي نادت به المملكة لأمكن تجنب سفك الدماء، وقتل الأبرياء والمدنيين من رجال وأطفال ونساء، ولو أن ذلك تحقق فربما أننا سوف نرى شرق أوسط جديدًا يسوده السلام.

لقد أشارت القرارات إلى حل القضية بناء على القرارات الدولية، التي تؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وحق عودة اللاجئين، والتعويض، كما أشارت القرارات على أنه لا يمكن فصل غزة عن السلطة الفلسطينية، وأن السلطة الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ومن غير شك أن العالم يعلم الحق، ويدرك الحل، لكن الإرادة السياسية قد غابت عند بعض الدول، وهذا يزيد من التوترات، والحروب في الشرق الوسط، لا سيما أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية لدى الحكومات والشعوب العربية والإسلامية.