تستضيف دولة الإمارات العربية المتحدة في مدينة إكسبو دبي المؤتمر العالمي الثامن والعشرين للمناخ «كوب 28» يوم غد حتى 12 كانون الأول/ ديسمبر، وقد بذلت جهوداً استثنائية لإنجاح هذا الحدث المهم، كونه فرصة تاريخية ربما لا تتكرَّر لإنقاذ البشرية جمعاء من هول الكوارث التي يسببها تغيُّر المناخ، بعد أن تأكد حصول تبدلات كبيرة تطول النظام الطبيعي العام، خصوصاً تزايد حرائق الغابات، وتكرار الإعصارات المُدمرة، وتساقط الأمطار بطريقة متواصلة مُخيفة سببت فيضانات غير مسبوقة، بينما تشهد دول عديدة جفافاً يهدد المواسم الزراعية وشحّ المياه الصالحة.
التحضيرات الواسعة التي سبقت المؤتمر، والاتصالات التي قادتها دولة الإمارات لإنجاحه أعطته أهمية كبيرة، وجعلت دول العالم تعوِّل على نجاحه لتجنيب الناس في كل القارات الويلات الناتجة عن «غضب الطبيعة»، لأن الخبراء في عالم البيئة يؤكدون أن استمرار الوتيرة الحالية في ارتفاع الاحترار العالمي سيؤدي إلى وصوله إلى ما يزيد على 2,8 درجة مئوية بعد مئة عام، وهو ما يجعل الحياة مستحيلة على كوكب الأرض. والورقة الإماراتية التي ستقدَّم إلى المؤتمر اقترحت إلزام دول العالم بإبقاء الاحترار العالمي تحت سقف 1,5 درجة مئوية، بينما يُقدّر اليوم ب1,4 درجة.
رئيس الدولة المضيفة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، قال: إن التنمية الاقتصادية والعمل المناخي مترابطان، ولا يجوز اعتبار معالجة الاحتباس الحراري كأنه استهداف لمشروعات التنمية، فزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة البديلة عن حرق المواد الأحفورية المُسببة للانبعاثات -خصوصاً الفحم- كفيلة بمعالجة المشكلة. والاقتداء بالخطة التي وضعتها الإمارات للحياد المناخي (2017 – 2025) وتعميمها يمكن أن يخفِّف من الانبعاثات إلى النسبة التي حددتها اتفاقية المناخ التي أقرَّها مؤتمر «كوب 21» في باريس عام 2015.
المؤشرات الإيجابية التي جاءت من الصين بعد زيارة وزير الصناعة والتكنولوجيا الإماراتي الدكتور سلطان أحمد الجابر (رئيس اللجنة المشرفة على تنظيم المؤتمر) إلى بكين تعطي دفعاً واقعياً للمؤتمر، ذلك أن جزءاً من المسؤولية عن إخفاق نتائج مؤتمر «كوب 26» في غلاسغو يُحمّلها أعضاء اتفاقية المناخ للصين، كونها رفضت مع الهند الالتزام بخطة لخفض الاعتماد على الفحم والنفط كمصدرين أساسيين للطاقة. وقد تعهدت الصين أمام جابر بالمساعدة على إنجاح المؤتمر، ومساندة الإمارات في تحقيق النتائج المرجوة منه، من خلال وضع برنامج لزيادة إنتاج الطاقة البديلة من حركة المياه ومن الشمس والرياح بنسبة ثلاثة أضعاف حتى عام 2030. أما الولايات المتحدة التي كانت قد انسحبت من اتفاقية باريس عام 2017، وعادت للانضمام إليها في عام 2019 فهي تلتزم بمندرجاتها ناحية خفض الانبعاثات الكربونية، كما تعهدت بأن تصل هذه الانبعاثات إلى الصفر بحدود عام 2050 والتخلُّص من الطاقة غير النظيفة قبل عام 2035، وهي مرتكزات تساعد التوجهات الاستراتيجية التي يعتمدها برنامج مؤتمر «كوب 28». الكوارث الطبيعية الناتجة عن التغييرات المناخية أصبحت حقيقة دامغة، وتجاهُلها يهدد مستقبل البشرية جمعاء، كما أن معالجة أسبابها تستحق العناء. وهناك أوجه مختلفة لهذه الكوارث، منها ما هو ناتج عن فيضانات مدمرة كما حصل في نيوزيلندا في كانون الثاني/ يناير 2023، وفي مدينة درنة الليبية في أيلول/ سبتمبر الماضي، وفي الصومال وكينيا الأسبوع المنصرم، ومنها إعصارات غير مسبوقة كما حصل في جنوب الولايات المتحدة في آب/ أغسطس 2023، ومنها ذوبان هائل للجليد كما حدث في القطب الشمالي في نيسان/ إبريل 2021، والحرائق الواسعة الانتشار كما حصل في كندا واليونان في آب/ أغسطس الماضي.
من الواضح أن هناك إرادة عارمة لدى الدول الأعضاء في اتفاقية المناخ وعددها 197 دولة إضافةً إلى الاتحاد الأوروبي، وهؤلاء يبدون الاستعداد لإنجاح المؤتمر، كونه النداء الأخير للشروع في وضع خطة مُلزمة تضبط ارتفاع الاحترار العالمي الخطر، وتراقب التزام الدول بخفض الانبعاثات الكربونية.
التعليقات