لم يُسجل أي من المشاريع العربيّة المشتركة تقدّماً يُذكر في أي من الميادين، خصوصاً في المجال السياسي، إذ توالت الإخفاقات نتيجة الانقسامات العربيّة والخلافات التاريخيّة بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربيّة. أما في المجال الإقتصادي، رغم الفوائد التي يمكن تحقيقها جرّاء أي تقارب عربي - عربي بمعزل عن الخلفيات السياسيّة، فلم يكن في وضع أحسن، ولم يشذّ عن القاعدة التقليديّة القديمة أنّ الإقتصاد يتبع السياسة.
وليس في هذا التصريح أي جديد، إلا أنّ استحضاره في هذه اللحظة يأتي على خلفيّة اتساع رقعة نفوذ اللاعبين الإقليميين من غير العرب في الساحة العربيّة ومن ضمنها على أرض فلسطين التي تشهد عدواناً إسرائيليّاً دموياً أدّى إلى استشهاد أكثر من 15 ألف مواطن من الأبرياء، عدا عن أولئك الذين لا يزالون تحت الركام.
ولعل حجم الإحباط الشعبي العربي من الحكومات والأنظمة الرسمية نتيجة تقاعسها (المتعمّد أو غير المقصود) على مدى العقود المنصرمة عن تحرير فلسطين، إنما أفسح المجال أمام دخول عدد من اللاعبين الجدد الذين تمكنوا مع مرور الوقت من بناء أذرع لهم تحمل قضية فلسطين في صلب عقيدتها وتسعى لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما أعطى بُعداً مختلفاً للصراع وطبيعة تكوينه وعناصر مواجهته.
إذا كان هذا الدعم من القوى غير العربيّة يتقاطع مع المصلحة الوطنيّة الفلسطينيّة ويصب في إطار تغيير موازين القوى في سياق مشروع التحرير، فمن غير المقبول رفضه أو مجابهته أو الاعتراض طالما أنه لا يُستغل لغير مآربه الحقيقيّة ويعزّز موقع هذا الطرف أو ذاك على حساب القضيّة المركزيّة أي القضيّة الفلسطينيّة.
ليس ثمّة خلاف على أنّ الإدارة الرسميّة، إذا صح التعبير، للفكرة العربيّة قد أخفقت بشكل كبير على مدى السنوات الماضية، والفشل في تحرير فلسطين ليس سوى أكثر الأمثلة سطوعاً، إلا أنّ لائحة الاخفاقات طويلة وطويلة جداً. فلقد تحولت القمم العربيّة إلى لقاءات شبه فولكلوريّة تخرج في نهايتها بيانات فضفاضة ومكررة تفتقر إلى الآليات التنفيذية والمتابعة الدقيقة للوصول إلى الأهداف. وينطبع في الأذهان عند شرائح واسعة من الرأي العام العربي كيف أنّ النعاس يغلب على عدد من المشاركين في القمة وهي الصورة المتكررة أيضاً. ولكن، هل يمكن القبول بإسقاط الفكرة العربيّة برمتها إذا كانت الإرادة السياسيّة لها سيئة؟ هل يمكن التفكير بكيفيّة ملء الفراغ جراء هذا الإسقاط؟ في مطلق الأحوال، الفراغ يتم ملؤه راهناً من قبل القوى الاقليميّة الفاعلة التي تستأثر على المشهد وهي قد رسمت أهدافها بدقة وتنفّذ مشاريعها بما يتوفر لها من امكانات وفرص وفيرة نتيجة غياب اللاعب العربي الموحد. وإذا كانت «أجندات» الدول العربيّة لم تعد تتقاطع، إذا جاز الوصف، في الإطار المؤسساتي الذي توفره جامعة الدول العربيّة، فإنّ التفكير بأطر وآليات جديدة هو أمر بات ضرورياً ولم يعد ممكناً تجاوزه، إلا إذا وُلدت في لحظة سياسيّة ما رغبة عربيّة جامعة في تغيير الواقع القائم، ولكن بشائر أمر كهذا لا تبدو موجودة إطلاقاً. ما حدث في فلسطين غيّر الكثير من القواعد. ليست هذه الحرب على غزة كمثيلاتها من حروب إسرائيل السابقة ضدها إلا من حيث وحشيتها وقد تضاعفت هذه المرة بما يفوق الخيال دون أي رادع أخلاقي أو سياسي أو قانوني.
ثمّة مرحلة مختلفة نوعياً عمّا سبق. الشرق الأوسط يتشكل من جديد وموازين القوى لم تعد كما كانت في المراحل السابقة لأن اللاعبين الجدد يفرضون إيقاعاً جديداً. الأيام سوف تثبت ذلك.
التعليقات