تستقطب دولة الإمارات العربية المتّحدة العين البشرية، أعني الانتباه العالمي، منذ أوّل من أمس 30 نوفمبر/ تشرين الأول، وحتى 12 ديسمبر/ كانون الأول 2023، حيث يُعقد «مؤتمر الأمم المتّحدة السنوي لتغيّر المناخ (كوب 28)»، في مدينة إكسبو بدبي، حيث تقاطر ممثلو الدول والأطراف الموقّعة على «اتفاقية الإطار في الأمم المتحدة»، تقييماً للتقدم والنجاحات المُحقّقة على صعيد مكافحة المتغيرات المناخية في الكوكب الأرضي. نتابع ونفكّر معاً في اجتماع 86000 شخصية تُفتح لها أبواب الإمارات تمثّل الأطراف وأعضاء الوفود والخبراء في شؤون المناخ والإقتصاد وصيانة المستقبل، فضلاً عن الإعلاميين من كافة أنحاء العالم. لنقل بتواضعٍ، أننا نرفع الرؤوس، ويختال حبرنا تحت عنوان «تواصل العقول وصناعة المستقبل في دولة الإمارات».

تجدر الإشارة إلى فاصلة ثقافية تاريخية قوامها أن الأمانة العامة قد تم إنشاؤها في ال1992 بعدما اعتمدت الدول اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ في مدينة جنيف المقر الأساسي لها، لينتقل الهم المُناخي بعد ذلك إلى بون في ألمانيا.

كيف لنا تقييم هذا المؤتمر الكوني الضخم، وما المعاني التي يمكن إيرادها في المجال؟

يعني لنا كثيراً: باعتباره، يُعقد أوّلاً في دولة الإمارات العربية، البيت العربي الشقيق الناهض أبداً، والمسكون بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وطموحاته، كما بالتنظيم والخبرة والملاءة الدولية اللافتة التي سبق وأعلنت نفسها أول دولة عربية تُدشّن «براكة»، إحدى أضخم محطّات الطاقة النووية السلمية، على سبيل المثال لا الحصر، بكونها تؤمّن ربع كهرباء الدولة الإماراتية.

ويعني ثانياً، وعي قيادتها لمن يُتابع ويقرأ في طبيعة المناخ القاسية في الخليج، حيث الارتفاع الملحوظ والمتنامي لدرجات الحرارة في ظلّ شحّ المياه، بما يجعل التغيّر المناخي من الهموم والبرامج البارزة لقياداتها، تتضافر الجهود والتعاون حيالها، وتُجابه التحدّيات مع المجتمعات الدولية وخلق ما بات يعرف ب«فلسفة التوافق الدولي المعاصر».

ويعني ثالثاً التذكير بالشهادة الريادية الإماراتية العربية بتنكّب المشاركة بالمسؤوليات الدوليّة المناخية العالمية منذ قرار تأسيسها في عام 1971، إذ كانت في طليعة الدول المصدّقة على بروتوكول مؤتمر كيوتو اليابانية في 11 ديسمبر/ كانون الأول 1997، للحدّ من انبعاثات الغازات الدافئة وخفضها، وهو بروتوكول مُلزم وفقاً للقوانين الدولية في المجال، وبوشر تطبيقه في ال2005، ووقّع عليه 192 طرفاً، ويعتبر محطة تاريخية ومميزة في الحدّ من تغير المناخ.

ويعني رابعاً استضافتها التقييم الأول لمقررات مؤتمر باريس، وبرامج المراجعة المكثّفة التي تجمع حولها الأطراف الذين سبق ووقّعوا على الاتفاقية، وكانوا 198 في عام 1995، بشأن المناخ وجدولة الخطى العالمية التي تمّ اجتيازها. وبالاختصار، صحيح أنّ التوافق على ضرورة تفادي تجاوز الارتفاع في درجة حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية هو الهدف الفائق الأهمية الذي لم يتحقّق للحد من تزايد تدهور المناخ، وتجنب تداعياته المدمرة وصولاً لهذا المؤتمر الإماراتي المحوري الداعي لتضافر الجهود البشرية في المناخ بصفته أزمة عالمية مُلحّة تتجاوز الحدود الوطنية، وتتطلب تعاوناً دولياً وتضافراً للأفراد من جميع الأعمار والجنسيات والثقافات والاختصاصات العلمية التي تشغلنا جميعاً.

تستحيل الإحاطة الشاملة بأهمية مؤتمرات من هذا الوزن، وتقدير ريادتها في صيانة مستقبل البشرية التي أنهكتها العشرات من كوارث المناخ المتتابعة في السنوات الأخيرة، خصوصاً خلال ال2023، إلاّ للمتزوّدين بعلوم المناخ ومقاربة ورصد، بل فهم أبعاد التحوّلات الجغرافية والبيئية والاقتصادية والتقنية الضخمة، التي تحصل تباعاً في توازن كوكب الأرض الذي يبدو كأنه يُعاد تشكيله، بل صياغته لهذا العالم الذي نعيش فيه اليوم، بما قد يُراكم المخاطر المتضافرة خلال القرون المقبلة. يمكننا الاعتراف بأن اختلال التوازن المتضخّم بين أعداد البشر وضمور الموارد الطبيعية وتدمير البيئة، يولّد، وسيوّلد المزيد من الكوارث والتحوّلات الفردية والجماعية الضخمة التعقيد والتحدّيات، بما قد يعيق الأفراد والجماعات والحكومات، ويُربكها في كل أنحاء العالم، من حيث لا تحسين طرائق عيشهم وازدهارهم بل ربّما إمكانات المحافظة عليها.