لن يجد أحد في هذا العالم المترامي من أقصى الشرق الى أقصى الغرب مثل قصة زايد والإمارات، كما لن يجد كل من كتب عن زايد رجل العفوية والصفاء كما هو زايد، كذلك لن يجد دولة تأسست فوق الرمال الساخنة على سواحل الخليج العربي ووسط ظروف وتهديدات ومخاطر.. وقف أمامها رجل الدولة زايد، كما لن يجد دولة.. هي كالحلم وأقرب الى المعجزة كالإمارات.. حلم الشيخ زايد، بل إنني أعتقد أن منعطفات الحياة السياسية ومنزلقاتها وخباياها خلال الفترة المصيرية التي مرت بها منطقة الخليج العربي بين عام 1968-عندما أعلنت بريطانيا عزمها على الانسحاب الى غرب السويس الذي نفذته عام 1971- وعندما تبلورت الخطوط العامة لمستقبل الخليج السياسي باستكمال البحرين لاستقلالها واستقلال قطر والإمارات.. كانت عنوانًا للتحدي غير المسبوق في تاريخ الخليج العربي عند الشيخ زايد.

وعندما أقول ذلك، لأن ذلك يؤكد حقيقة الرجل الفذ الملهم.. القائد العظيم الذي أكد بأن كلمة (مستحيل) لا تعرف قاموسه، فكانت الإمارات الدولة التي تأسست وسط كم هائل من التحديات والمخاطر.. وفي لحظة فراغ أمني رهيب، أدركه زايد.. وأدرك أن مصير واستقلال وسيادة دولته الصغيرة يحتاج الى حكمة سياسية فائقة وتوازن في بيئة متغيرة مع قوتين إقليميتين تبحثان عن الفرصة لإحكام السيطرة على الإقليم.. قوة استغلت الفراغ الأمني البريطاني لتحتل ثلاث جزر من جزر الإمارات، أما القوة الثانية فكانت تعتبر الإمارات دولةً مؤقتة !!!!
لقد كان على زايد أن يضع أسس وركائز الأمن الوطني في بلاده أولاً وينأى بها عن التيارات المتطرفة والصراعات المسلحة، قبل أن يبحث في العلاقات الدولية والتغييرات المستمرة في بيئة النظام الدولي، وقبل أن يضع أقدام دولته الجديدة على أعتاب أبواب الجامعة العربية وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية وعلاقاتها الثنائية بالدول العربية وجيرانها الأقوياء ايران والعراق.
لقد كان السلام الظاهر على شواطئ الخليج العربي في أعقاب الانسحاب البريطاني الى شرق السويس ودخول الولايات المتحدة لسد الفراغ الأمني من أجل حماية خطوط التجارة النفطية العالمية، أحد أهم هموم زايد، وكان عليه أن يحول واقع الحال المشحون بالتوتر والقلق لدولته الوليدة إلى واحة أمنٍ واستقرار وأرضٍ للسلام.. واستطاع زايد أن يترجم الحلم الى واقع عندما استضافت أبوظبي القمة الخليجية الأولى في ٢٥ مايو 1981، حيث تم التوقيع على النظام الأساسي الذي أعلن تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، هذا الإعلان الذي أكد بأن تحافظ دول المجلس على وحدتها، وأن تتصدى لكل التهديدات والمخاطر وتواجهها مجتمعةً.
ومع تواتر الأيام والسنين وبفضل حكمته، وإيمانه بمجلس التعاون، تهاوت على شواطئ الإمارات الساخنة الأطماع ومؤامرات الحلفاء التاريخيين الذين قادوا مؤامرة ما كان يسمى بالربيع العربي عام 2011. لقد كان زايد محقًا بأن المواجهات العسكرية او الردع النووي للوصول إلى حافة الهاوية، غير مقبولٍ أو محققٍ للأهداف وإنما مدمرٌ للبناء والتطور والحضارة في لحظات. لذلك كانت مبادئ مجلس التعاون في «تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها» و«تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات. ووضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين بما في ذلك الشؤون: الشؤون الاقتصادية والمالية» طريقًا آمنًا نحو استمرار الأمن والاستقرار لدولته ودول مجلس التعاون.
كان العالم في حالة ترقب وانتظار بعد قيام مجلس التعاون.. وكان مجلس التعاون في قلب الشيخ زايد الذي وجده حماية للواقع في الخليج العربي الذي بدأت أهميته تزداد مع حاجة العالم للبترول الموجود على شواطئ دول المجلس الست، وكان البترول هو ملك الساحة الذي لم يزل يدير سياسة العالم. لذلك لم يكن غريبًا أو مستغربًا كما توقع زايد أن يصبح مجلس التعاون من أهم اللاعبين في الساحة الدولية وتصبح الإمارات إحدى أهم الدول بطموح قيادتها وانطلاقها في سباق الزمن الذي تركته خلفها يبحث عن خط النهاية.
لم يكن الشيخ زايد رجلاً عاديًا.. بل كان رجلاً سبق زمانه، فهو واحد من عظماء التاريخ القلائل، إذ صنع التاريخ وغيّر اتجاهاته وغيّر شكل منطقة الخليج العربي ودور الإمارات وتأثيرها ومكانتها بين الدول وأمم العالم. وكان رجلاً عاش عمره يحلم ليترك خلفه تراثًا وفكرًا محفورًا في جدار التاريخ وزواياه.. لقد كانت رؤية زايد جامعة للسياسة والاقتصاد والعلم والفن والبناء والحضارة... فوصل زايد إلى القلوب بعفوية رجل الصحراء، وبسط معالم فكره في كل مكان ووضع مبادئ نمت وأثمرت وطنًا رائعًا ومواطنين أحبهم وبذل من أجلهم جهودًا جبارة لمواجهة كل التيارات لتبقى الإمارات كوكبًا مشعًا في العالم وعلمًا بارزًا تعكس آراءه ونظرياته في الحكمة والتطور والتقدم. «مبروك الإمارات عيدها الوطني».. فهو عيد زايد ومبادئه التي ارتكز عليها الحكم الى الآن في عهد الشيخ محمد بن زايد. مبروك دولة الإمارات العربية المتحدة.. مبروك من البحرين التي أحبها زايد وأحبته.