غياب التيارين القومي واليساري عن الساحة السياسية المحلية، أدى إلى خسارة المكتسبات الدستورية التي ناضل من أجلها التياران لأكثر من خمسة عقود، فتلك المكتسبات أخذت تتآكل يومياً على يد الحكومة بالتواطؤ مع التيارات الإسلامية (إخوان، سلف) من جهة والقبلية من جهة أخرى، وأخاف مع مرور الوقت أن نعود إلى المربع الأول فيما إذا طال غياب التيارين أو من يحق له أن يرثهما.

يفترض أن يكون الوريثان المنبرَ الديموقراطيَ والحركةَ التقدميةَ، رغم خسارة الأول للكثير من الكوادر المميزة خلال فترة إصدار مرسوم الصوت الواحد، وتمكن الثاني إلى حدٍّ ما من استقطاب بعض الكوادر الشبابية المميزة، وأقترح عليهما كخطوة أولى توجيه دعوة لكل القوى المتبعثرة على الساحة ممن ابتعد بعضهم بسبب الخلافات السياسية، فيما ابتعد الآخر بسبب فقدان الأمل في إعادة إحياء التيارين من جديد.

من الممكن أن يبادر أحدهما لهذه الدعوة كمؤتمر أول لبحث القضايا الوطنية المطروحة على الساحة المحلية، وما أكثر تلك القضايا المؤجلة منذ فترة طويلة، وليكن نتاج هذا المؤتمر من توصيات تتناول الهيكلية الجديدة للقوى المجتمعة والدور المنوط بها خلال المرحلة المقبلة هي الخطوة الأولى التي يمكن أن يتفق حولها الجميع، لأن الاستمرار بالقبول بدور ثانوي على هامش العمل السياسي والبرلماني من الممكن أن يؤثر في استقرار البلد وتطوره.

ليس هناك وقت، والمسؤولية تتطلب أن يتحرك الجميع للمساهمة في وضع خطة لا تتناول فقط الإصلاحات السياسية، بل يجب أن تمتد هذه الخطة لوضع إصلاحات اقتصادية عاجلة يمكن أن تسهم في اللحاق بدول الخليج ممن سبقتنا في مشروع التنمية الحقيقي، فقد ثبت منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى اليوم أن المشاريع الوطنية الكبيرة والضخمة قامت على أكتاف التيارين، وليس على أكتاف (إخوان، سلف)، وما دام هناك حاجة ملحة لمثل هذه المشاريع للحفاظ على استقرار الوطن وتطوره، فالفرصة متاحة أكثر من أي وقت مضى لطرق هذا الباب من جديد.