قال المتنبي قديماً:

أعز مكان في الدنى سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب

وعندما نتأمل هذا البيت ومعناه، ندرك أن هناك اختلافاً جلياً فيما يخص المركبات، فقد حل مكان السرج السابح اليوم المركبات المدنية والعسكرية، من سيارات وطائرات وغيرها من الوسائل الحديثة، ولهذا فإن هناك اختلاف في العصر والزمن، وبون شاسع بين زمن المتنبي وما نعيش اليوم.

ومع ذلك كله، يظل الكتاب هو المصدر الأول والأساسي للمعرفة، وهو المنير والمضيء للشعوب كافة، فالمعرفة والعلم تم تناقلها عن طريق خير جليس، فقد كان هو المعلم والمؤدب، والمثقف، والمغذي للعقول الإنسانية بالفكر والمعرفة.

ولهذا ينبغي أن تتبدد كل تلك المخاوف التي يعيشها البعض من المثقفين، على الكتاب، حتى لو تعددت مصادر التلقي في زمننا الحالي، حيث أصبح الإنسان يتلقى المعرفة عن وسائل عدة، على رأسها تطبيقات السوشل ميديا، ومحركات البحث العظيمة مثل قوقل وكوبرا وصحارى وغيرها، وأصبح أيضاً يستقي معرفته صوتاً وصورة عن طريق اليوتيوب الذي يحمل زخماً من المعرفة والعلم، والثقافة، والتسلية والترفيه، وحتى التفاهة التي يتلقاها الشخص عن طريق الصوت والصورة، على شكل محاضرات أو برامج ترفيه، أو عروض برزنتيشن، أو عروض تقييمية، أو أفلام وثائقية وغيرها والتي تسهل وصول المعلومة - بشكل كبير - ناهيك عن البرامج التلفزيونية المختلفة التي تنقل أيضاً عن طريق اليوتيوب.

النقطة الأهم في هذا السياق التي قد لا يعرفها الكثيرون، أن هناك "أيباد" متخصصاً للقراءة بمسمى: "الكاندل" الذي يقدم لك الكتاب بنفس نكهة الكتاب الورقي، ونفس صوت الورق، وحركته، حيث تتصفح هذا الجهاز وكأنك تتصفح كتاباً فعلياً، كما يمكنك من التهميش على جانب الصفحة، ويمكنك من الاحتفاظ بنفس الصفحة التي وصلت إليها في القراءة للوقت الذي ترغب بالعودة إليها، كما يتيح مجالاً للاستماع، عن طريق الكتاب المسموع، وهو يحمل "ذاكرة" تجعله قادراً على تخزين آلاف الكتب في جهاز صغير، بمعنى أو بآخر، هو عبارة عن مكتبة متنقلة بين يديك، تمكنك من الوصول لأي معلومة في أي كتاب في لمحة بصر، وتتيح لك ممارسة هواية أو شغف القراءة التقليدية.

أخيراً: كل ما قلناه سابقاً يؤكد أن الكتاب باقٍ، لأن كلمة "كتاب" أو "كتابة" هي مصدر لفعل كتب، فإذاً الأصل هو الكتابة التي نتج عنها الكتاب، والتي سوف تظل أصلاً لكل مصادر التلقي الجديد التي ذكرناها سابقاً.