نجاح دبلوماسي كبير وتاريخي حققته دولة الإمارات العربية المتحدة ووفدها في مجلس الأمن الدولي بتمرير القرار رقم (2720)، الذي يقضي بإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية العاجلة والضرورية إلى غزة وحماية المدنيين، وهو نجاح إماراتي بعد تعذر مشاريع قرارت مشابهة له في الفترة الماضية، وذلك بموافقة 13 دولة من أصل 15 في مجلس الأمن وامتناع أميركا وروسيا.

لئن كانت السياسة فن الممكن، فإن الدبلوماسية هي تطبيق هذا الفن في العلاقات الدولية ودهاليز المؤسسات الدولية، والنجاح الدبلوماسي دولياً وفي «الأمم المتحدة» و«مجلس الأمن» هو تعبيرٌ أمينٌ عن قوة الدولة التي تبنته وقيمتها بين الدول ومكانتها المعتبرة، ولولا الجهد الحثيث الذي بذلته الدبلوماسية الإماراتية والمفاوض الإماراتي في «مجلس الأمن» ومع كافة الأطراف المؤثرة لما أمكن تجاوز «الفيتو» الأميركي وخروج القرار الدولي الجديد والمهم.

القرار الذي نجحت فيه الإمارات ومعها الدول العربية ليس نهاية المطاف لا بالنسبة للإمارات ولا للفلسطينيين، ولكنه خطوةٌ مهمةٌ ومؤثرةٌ في الطريق الصحيح، وما لا يدرك كله لا يترك جله. بناء على العقلانية والواقعية السياسية جاء النجاح في هذا القرار الأممي، ورحبت به غالبية الدول، وعلى رأسها السعودية والبحرين ومصر وعُمان والأردن واليمن وبريطانيا والأمم المتحدة، وستتبعها دولٌ أخرى بطبيعة الحال، وذلك لأن هذا القرار قرارٌ يحمل في طياته تأسيساً عملياً لمخرجٍ حقيقيٍ يوصل إلى وقف إطلاق النار ووقف الحرب والدفع باتجاه السلام وحلّ الدولتين الذي يمثل الحل الحقيقي والعملي لأقدم قضية في الشرق الأوسط برمته.

لمن لا يعرف أو لا يريد أن يعرف فإن قرارات مجلس الأمن صعبةٌ، ولا تصدر إلا بعد توافقات واسعة بين الدول وعلى رأسها الدول العظمى، التي تمتلك حق النقض، ويمرّ أي قرارٍ بعمليات شد وجذبٍ، وتغييراتٍ وتنازلاتٍ وصياغاتٍ متعددةٍ، حتى يكتمل القرار ويعبر ولو عن جزء من الموقف المطلوب وفق اختلافات وتباين وجهات النظر، وقد تناقلت وسائل الإعلام بعض تفاصيل المفاوضات الشاقة التي سبقت صدور القرار الدولي في أروقة مجلس الأمن وخارجه حتى تم إقراره وصدوره.

بعض الساخطين والمؤدلجين والواهمين لا تقنعهم القرارات الدولية، لأنهم ببساطة لا يفهمون توازنات القوى في العالم ولا كيفية عمل المؤسسات الدولية، ولا طبيعة العلاقات الواسعة اللازمة للنجاح، ولا مشقة التفاوض الدقيق الذي يستوجب مرونةً واتزاناً مهميناً، وهو بكل الأحوال لا يمكن أن يكون نسخة من خطابات «أبي عبيدة» أو «أبو بكر البغدادي» أو «الظواهري» وبقية المتطرفين حول العالم، من كافة الديانات والمذاهب.

ثمة اتجاهان تجاه ما يجري في غزة في المنطقة، اتجاه عربي عقلاني واقعي يعمل سياسياً ودبلوماسياً بشكل مكثفٍ عبر عقد القمم العربية والإسلامية واستصدار القرارات الأممية وتكثيف الإغاثة والمساعدات الإنسانية والسعي لوقف سريعٍ لإطلاق النار والتهدئة وهو جهد تقوده الدول العربية، وثمة اتجاه يسعى لتأجيج الأوضاع أكثر في فلسطين ولبنان والأردن واليمن ويعمل بكل طريقةٍ لتوسيع دائرة الحرب وتهديد الملاحة وطرق النقل البحرية الدولية وتهديد المضائق ورفع لغة الشعارات عالياً، والاتجاه العربي هو الوحيد المفيد لفلسطين الدولة والشعب، أما الاتجاه الثاني فهو يوسع جراح الفلسطينيين ويزيد الطين بلة. أخيراً، فتراكم الجهود السياسية والدبلوماسية وإدارتها بحنكة ومهارة كفيلٌ بتحريك الأوضاع بالاتجاه الصحيح، وذلك ما صنعته الإمارات.