صلابة أي اقتصاد تنعكس إيجابيا على تماسك سوق العمل ونحن على أعتاب 2024 لا يمكننا تجاهل الضغوط التي تعرضت لها الاقتصادات العالمية بلا استثناء منذ 2020 وما نتج عنها من تضخم ومعدلات بطالة مرتفعة وديون.

ظلت جائحة كورونا ندبة في أسواق العمل العالمية ومع تزايد حالات التفاؤل بخفض سعر الفائدة بداية من 2024، نحن على مشارف مرحلة إعادة الثقة ومنها سوق العمل العالمية.

خلال الأعوام العصيبة الماضية كانت السعودية من الدول الأقل تغيرا في معدل البطالة على مستوى مجموعة العشرين للربع الثالث 2023 إضافة إلى أن معدل البطالة من 2021 حتى الربع الثالث من 2023 انخفضت بشكل تراكمي، يرجع ذلك إلى أن سياسات سوق العمل والأداء الاقتصادي يعملان بشكل منسجم رغم التحديات الاقتصادية، وهذا يعني أن هناك خط أساس صلبا بدء يتشكل يتحمل ضغوط التقلبات الاقتصادية، بمعنى اقتصادي آخر، ما يشهده تنظيم سوق العمل من سياسات أسهمت في تأخير وصول الصدمات الاقتصادية الربعية لسوق العمل، وهو ما يفسر أن معدل بطالة السعوديين من الذكور استقرت على المستوى نفسه خلال الأرباع الثلاثة الماضية من 2023 حيث بلغت 4.6 في المائة وفق بيانات نشرة سوق العمل التي صدرت أخيرا رغم تباين الأداء الاقتصادي منذ بداية العام.

من الأمور اللافتة إيجابيا، ارتفاع مشاركة السعوديين في القطاع الخاص لرقم قياسي غير مسبوق حيث بلغت القوى العاملة المشاركة 2.3 مليون مواطن ومواطنة ولعل الوظائف المؤقتة دعمت هذه الأرقام بشكل كبير وتوضح بشكل جوهري نجاح برامج وقرارات التوطين والمبادرات التي تنتجها وزارة الموارد البشرية باستمرار، أعتقد أن الوظائف التي ينتجها الاقتصاد مؤقتا في الأوضاع الاقتصادية المتراجعة تعد أكثر صعوبة من أوقات الازدهار الاقتصادي الشامل.

ثم إن أي رقم هامشي إضافي للبيانات الاقتصادية وسوق العمل يمثل نتائج ذات دلالات حيوية توضح القدرة على مواجهة التحديات المشتركة بين السياسات الاقتصادية وسياسات سوق العمل والاتجاهات الجديدة التي ترافق الاقتصاد الرقمي الجديد، ومن الملاحظ أن وزارة الموارد البشرية تراقب عن كثب تلك الاتجاهات، ومؤتمر سوق العمل الدولي الأول كان من أهم مسارات التمركز Positioning الذي تستهدفه الوزارة لتطوير سوق العمل السعودية، فالمؤتمرات من هذا النوع تثري صناع سياسات سوق العمل والاقتصاد ليعملوا بأساليب تكاملية ومشتركة محليا وعالميا، فالوظائف التي ينتجها الاقتصاد تحتاج إلى سياسات جذب واحتضان واستبقاء للأفضل من المواطنين والوافدين والمملكة تنتهج سياسات وطنية تستهدف زيادة معدل مشاركة السعوديين في سوق العمل.

أخيرا، تحتاج صلابة الوظائف إلى سياسات عمل صلبة تتغلب على التقلبات الاقتصادية لتضمن سوق عمل آمنة ومستقرة ومتوازنة ونحن نتقدم بثقة في الوظائف التي ينتجها الاقتصاد، لهذا اقتصادنا يتجه نحو ما بعد الندرة بعد 2030 أي اقتصاد الوفرة الذي تتلاشى معه الندرة النسبية ويمثل أحد الاتجاهات الأبرز للاقتصاد السعودي.