يبدأ اليوم العام الجديد (2024) فكل عام وأنتم جميعاً بخير قراءنا الكرام.

وفي الساعات الأولى من العام الجديد يبدو واضحاً لكل من يهتم أو يراقب الشأن العام، أن منطقتنا تدخله وهي في أوضاع غير مسبوقة، على الأقل منذ خمسين عاماً، إن لم يكن أكثر. فقد غادرنا عام 2023 حاملاً معه أحداثاً غير مسبوقة وأرقاماً لم يسبق لنا وعرفناها وتطورات سيكون لها ما بعدها خلال العام الجديد.

والأمر كله يتعلق بما جرى منذ السابع من أكتوبر 2023، حيث وقع هجوم «طوفان الأقصى» المفاجئ وغير المسبوق من حركة حماس على القوات والمستوطنات والمدن الإسرائيلية. فمع بدء العام الجديد تكون الحرب الإسرائيلية على القطاع قد قاربت ثلاثة شهور، وأكثر من شهرين من توغل القوات الإسرائيلية برياً إلى داخل القطاع.

مرت كل هذه الأيام والساعات شديدة الثقل والدموية على أهل غزة، لتكون هذه الحرب هي الأطول زمناً التي يشنها عليه الجيش الإسرائيلي، والثانية في تاريخ حروب هذا الجيش في المنطقة بعد حرب عام 1948.

دمرت الحرب خلال هذه المدة – وما زال التدمير مستمراً – ما لم تدمره أي حرب أخرى في تاريخ العالم الحديث، من مرافق مدنية وبنى تحتية، وسجلت أرقاماً غير مسبوقة في هذا التاريخ، من حيث عدد الضحايا المدنيين القتلى والجرحى والمفقودين ونسبة الأطفال والنساء منهم في أقل من 90 يوماً، ومن حيث حجم المتفجرات ونوعيتها التي قصف بها قطاع غزة، ومن حيث عدد النازحين الذين أجبروا على مغادرة مساكنهم ومناطق إقاماتهم، ومن حيث المعاناة الصحية والغذائية والتي أوصلت أهل غزة إلى حد المجاعة والأوبئة، ومن حيث عدد الصحفيين الذين لقوا مصرعهم – ومع بعضهم أسرهم – بما فاق أي عدد قتل منهم في أي صراع سابق في العالم، ولا حتى في كل الصراعات التي شهدها العام السابق (2022)، ومن حيث عدد الموظفين التابعين للأمم المتحدة ووكالاتها، والذي لم تشهده في تاريخها كله منذ نشأتها عام 1945، ومن حيث تدمير المرافق الصحية والمستشفيات وسيارات الإسعاف.

يدخل العام الجديد ولا تزال هذه الحرب الدموية ناشبة، لينفتح بابه أمام احتمالين رئيسيين لا ثالث لهما على الأرجح، فيما يخص الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وما يخص أمن المنطقة كلها ومعه أمن العالم واستقراره.

فمن كل الزوايا، العسكرية والسياسية والدبلوماسية والإعلامية، وصلت القضية الفلسطينية إلى مستوى من الاهتمام والشهرة ما لم تعرفه طوال أعوامها المئة. والأهم في هذا هو أمران: الأول، أن إجماعاً عالمياً تشكل للمرة الأولى، باستثناء إسرائيل، حول ضرورة قيام دولة مستقلة للشعب الفلسطيني بجوار دولة إسرائيل.

أما الأمر الثاني، فهو التحطم الكبير الذي أصاب الصورة النمطية لهذه الدولة الأخيرة التي قدمت بها نفسها للعالم خلال ثلاثة أرباع القرن، من أنها دولة «الضحايا» إلى حيث أصبحت دولة «العدوان» بامتياز، بما راح يطيح بأسطورة اليهودي «المضطهد» الذي يستحق التعاطف معه والتي دامت لعشرات السنين.

هذان الأمران كفيلان بوضع ملامح الاحتمالين المشار إليهما: فإما أن يسفر العام الجديد في أسابيعه الأولى عن وقف العدوان الإسرائيلي تحت وطأة صلابة مقاومة الشعب الفلسطيني وصموده، وتبدأ مراحل من الهدوء، يعقبه شهور وربما سنوات من التفاوض الشاق في اتجاه حل الدولتين، وهو ما سيرافقه تغيرات جوهرية داخل المعسكرين الإسرائيلي والفلسطيني، تتناسب مع هذا المسار.

وأما الاحتمال الثاني، فهو أن يدفع اليمين الديني الصهيوني المتطرف في جنبات المجتمع الإسرائيلي وأركان دولته وأجهزته الأمنية والعسكرية، نحو استمرار العدوان ليس فقط على غزة، بل وتوسيعه وتعميقه في الضفة الغربية ومناطق ودول الجوار – وخصوصاً لبنان – الأمر الذي يدفع بكامل المنطقة نحو «حافة الهاوية» والتي لن يكون ساعتها بينها وبين اشتعالها كاملة سوى خطوات قليلة للغاية.

الاحتمالان قائمان وبنفس النسبة تقريباً، والعام الجديد الذي يبدأ اليوم هو الذي سيحمل أحدهما، ويحمل بالتالي اسمه الذي سيرسخ في التاريخ: فإما «عام السلام» أو «عام الكارثة».