للشأن الثقافي في الإمارات مكانته وحضوره، ويمكن لكل من شهد ويشهد التطور الحاصل فيها في هذا المجال أن يستشف أهمية الثقافة بالنسبة لدولتنا التي لم تعرف منذ سبعينيات القرن الماضي سباتاً، فلم تهدأ النهضة فيها، ولم تتوقف التنمية حتى في الظروف الاقتصادية الصعبة التي شهدتها دول العالم بلا استثناء.

ولأن الثقافة لغة جامعة للعالم، فإن بلدنا تعرف كيف تستفيد من تلك اللغة، وكيف تقدّمها بين ثقافات العالم، ليس فقط فيما يخص موروثنا المادي والمعنوي، إنما الفنون الحديثة التي أصبح لها موطئ قدم ثابت عندنا، كمعارض التشكيل والنحت والأمسيات الموسيقية والحفلات الغنائية والمسرحيات، عربية وعالمية على حد سواء.

ولعل آخر الأحداث التي استوقفتني «مهرجان الشيخ زايد» الذي يقيم «ليالي الوثبة» خلال العطلات الأسبوعية وتستمر حتى شهر مارس المقبل. إلى جانب ذلك، الحفل الأخير الذي استضافه «لوفر أبوظبي» وفيه تم تكريم 24 فائزاً وفائزة بجائزة البُردة التي تحتفي بالفن الإسلامي - بين شعر وخط وزخرفة - والتي تم ربطها هذا العام بعام الاستدامة 2023، وكان موضوعها «الميزان» الدي تركزّ على المبادئ والتقاليد والقيم الإسلامية الراسخة لتبيان قيمة البيئة وأهمية حمايتها والحفاظ على مواردها.

ولعل القيمة الأخرى المهمة في هذه الدورة هي الإعلان عن مبادرة تتضمن 20 منحة تهدف لدعم المواهب وتعزيز الابتكار والبحث في الفنون الإسلامية باعتبارها ركناً أساسياً في التراث الإنساني، وإثراء بيانات إثراء هذا المجال، وتمكين الجيل الجديد من الفنانين لتقديم مشاريعهم التي تعرّف بأهمية تلك الفنون.

ولا أحد يمكنه التغاضي عن الجهود التي تقوم بها وزارة الثقافة على مستوى دعم الإبداع، وكذلك على مستوى ترسيخ هوية المجتمع الإماراتي بما فيه من قيم وعادات وموروث أصيل. وقد تُوّجت تلك الجهود بحصول الوزارة على «جائزة ستيفي» العالمية - 2023 عن فئة مبادرات الاستدامة. والفوز بهذه الجائزة يعزز حضور الإمارات البهي على الساحة العالمية، كما يؤكد في الوقت ذاته على أن الفكر والثقافة في بلدنا يواكبان قضايا المجتمع، كموضوع الاستدامة الذي كان دائماً جزءاً من بيئتنا وما يزال. وغني عن القول إن الإمارات قدمت خلال «كوب 28» بارقة أمل للبشرية بتحقيق انفراجة حقيقية بهدف إنقاذ الأرض من مخاطر التغيرات المناخية الحاصلة.
إن فوز وزارة الثقافة بتلك الجائزة يعزز سمعة الثقافة الإماراتية، ويرسخ مكانتها في المجتمع العالمي، كما يشجع على استمرار تطورها وتعزيز حضورها بين ثقافات الدول الأخرى عربياً وإقليمياً وعالمياً، نظراً لتنوع روافدها وثراء مضمونها، وهو الأمر الذي يدعم المجتمع الثقافي العالمي في النهاية.
ما تقوم به الإمارات منذ عقود قد شهدنا حصاده ممثلاً باستقطاب مؤسسات فنية وعلمية عالمية، كالمتاحف التي باتت محط اهتمام المعنيين بالفنون عموماً، والجامعات المفتوحة أبوابها للجميع من مختلف دول العالم. ولا شك أن تأسيس هكذا مشاريع في الإمارات يعود بفائدة عظيمة على تراثنا المحلي فيتعرّف كل من يقيم في الإمارات أو يزورها على جوانبه، وعلى تفاصيله الكثيرة والجميلة.

نعم.. ما حققته الإمارات من إنجازات على صعيد الفكر والإبداع والفنون له مذاقه الخاص. وكما نقول دائماً، الثقافة - بما تتضمن من آداب وفنون - هي القوة الناعمة التي تترك أثرها على المجتمعات بمختلف قطاعاتها. والمؤسسات والمشاريع والمبادرات الثقافية والفكرية - سواء كانت حكومية أم فردية - الموجودة فيها أصلاً، والأخرى التي يتم تأسيسها، تدعم حضور الإمارات، وفي الخواتيم تصب في مصلحتها، والتي أصبحت واحدة من الوجهات المرغوبة في العالم من قبل المبدعين والموهوبين.