بنهاية العام الماضي انتهت مدة العضوية الثانية لدولة الإمارات في مجلس الأمن الدولي، فقد كانت عضويتها الأولى في المجلس خلال عامي (1986-1987) والثانية في العامين الماضيين، وفي المرتين كان أداء الدبلوماسية الإماراتية في المجلس لافتاً ومعبِّراً عن فاعليتها على المسرح العالمي في أهم الأجهزة الدولية المعنية بالسلم والأمن العالميين.

وقد تم انتخاب دولة الإمارات لعضوية مجلس الأمن عن مجموعة آسيا والمحيط الهادئ لعامي 2022 و2023، وحصلت على موافقة 173 دولة من إجمالي 193 دولة عضواً في الأمم المتحدة، وهو رقم يعكس المكانةَ والثقةَ اللتين تحظى بهما الإمارات في الساحة الدولية. وقد غرَّد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، قائلاً عشية ذلك الفوز الباهر قائلاً: «انتخاب دولة الإمارات اليوم لعضوية مجلس الأمن الدولي للفترة من 2022 إلى 2023 يجسد ثقة العالَم في السياسة الإماراتية، وكفاءة منظومتها الدبلوماسية وفاعليتها، وانطلاقًا من المبادئ والقيم التي تأسست عليها ستواصل الإمارات مسؤوليتها من أجل ترسيخ السلام والتعاون والتنمية على الساحة الدولية».

وفي أول يوم من أيام العضوية الثانية للإمارات في المجلس، صرّحت معالي السفيرة لانا زكي نسيبة، المندوبة الدائمة لبعثة الدولة لدى الأمم المتحدة بأن عمل الإمارات في المجلس سيعكس «ما نمثله كدولة وشعب من تسامح وشمولية وإيمان بأننا أقوى باتحادنا». وكانت هذه إشارة مبكرة إلى أن الإمارات لا تنوي الاكتفاء بأن تكون خير صوت للمجموعة العربية في الأمم المتحدة، وإنما أن تكون صوتاً للجميع يتسق وما تؤمن به من مبادئ وقيم.

وقد شاءت الظروف العالمية والإقليمية أن تكون الإمارات على موعد في عامي عضويتها مع تحديات جسام، فبدأت هذه العضوية وانتهت بأحداث خطيرة على المستويين العالمي والإقليمي قُدِّر أن تكون لها بصماتها القوية على العالم ومنطقتنا، ففي الشهر الثاني لبدء هذه العضوية بدأت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بما انطوت عليه من أبعاد معقدة منها ما يتعلق بشرعية استخدام القوة في العلاقات الدولية، ومنها ما يتصل بضرورة احترام الهواجس الأمنية المشروعة لكافة الأطراف. ومثّل موقف الإمارات في هذا الصدد نواةً للموقف العربي المستقل الذي تبلور لاحقاً في قمة الجزائر في نوفمبر 2022، وفي سلوك الدول العربية تجاه الأزمة، والذي يقوم على الجمع بين إدانة الاستخدام غير المشروع للقوة، وضرورة احترام الاعتبارات المتعلقة بأمن جميع الأطراف، ورفضِ الانحياز لأي منها، والقيامِ بأقصى الممكن لتحقيق تسوية عادلة للأزمة. وكما بدأت العضوية الثانية للإمارات بالحرب في أوكرانيا فقد تزامن الربع الأخير من العام الثاني للعضوية مع تفجر أخطر الأحداث في تاريخ القضية الفلسطينية، وما ترتب عليه من قتل وتدمير غير مسبوقين في قطاع غزة. وقد تحملت الإمارات في هذا الصدد العبء الدبلوماسي الأكبر في محاولة التوصل لوقف إطلاق نار كانت الإدارة الأميركية تقف له بالمرصاد، وتمكنت من إحباط مشروع القرار الإماراتي بهذا الصدد، لكن جهد الدبلوماسية الإماراتية لم يضع سدىً، فقد كشف العزلةَ الأميركية أمام العالم كله. ومع ذلك فقد واصلت هذه الدبلوماسية جهودَها حتى أُقر مشروع القرار الذي يدعو لاتخاذ قرارات جوهرية وملموسة لزيادة تدفق المساعدات الإنسانية لأهل غزة.. فتحية لهذه الدبلوماسية الجسورة، وبانتظار المزيد من الإنجازات بإذن الله.

*أستاذ العلوم السياسية -جامعة القاهرة