بعد أربع سنوات من تولّيه منصب الرئاسة، لا يزال الرئيس عبد المجيد تبون يحاول أن يتغلّب على ظاهرة البيروقراطية المستشرية في الجزائر، وذلك عن طريق إضافة 7 ولايات منتدبة جديدة إلى قائمة 58 ولاية (محافظة) كان قد عرفها التقسيم الإداري الجزائري سابقاً.
في هذا السياق، يطرح المراقبون الجزائريون المتخصصون في شؤون معالجة الكثافة الديموغرافية والتنمية الوطنية الأسئلة التالية: هل يمكن أن يفضي الإكثار من الولايات (المحافظات) إلى القضاء على تخلّف المناطق المدعوة بمناطق الظل في الجزائر العميقة؟ وهل تدخل هذه العملية بالذات في إطار محاربة البيروقراطية حقاً أم أنّها مجرد حركة استباقية من الرئيس تبون ومحيطه السياسي لخلق المناخ الملائم لربح ورقة الانتخابات الرئاسية القادمة في هذه المناطق التي تكتسي أهميةً سياسية؟
بداية، فإنّ إنشاء الولايات المنتدبة، في كل من فضاءات أفلو بولاية الأغواط وبريكة بولاية باتنة وقصر الشلالة بولاية تيارت وعين وسارة ومسعد بولاية الجلفة ولبيض سيدي الشيخ بولاية البيض وبوسعادة بولاية المسيلة، تعني ظاهرياً محاصرة جيوب التخلّف البنيوي في الهضاب العليا والجنوب الجزائري و"تعميم التنمية المحلية، وخلق الفضاءات الاقتصادية، وتخفيف العبء على المواطن"، حسب تصريحات المسؤولين الجزائريين في أعلى هرم السلطة السياسية والتنفيذية معاً.
ولكن، يبدو أنّ الولاة المعينين مؤخّراً على رأس هذه الولايات المنتدبة، وهم بن مراح يونس وبو الذهب السعيد وداودي توفيق وعلواش بوعلام عادل ومودن عبد ربي وبن أحمد رياض، غير معروفين في الحياة السياسية الوطنية، وجراء ذلك فإنّه يُنتظر أن ينحصر دورهم في تصريف الشؤون الإدارية فقط، ويعني هذا في المنطق السياسي الجزائري المعتاد، أنّهم لن يقدروا على اتخاذ القرارات الحاسمة، التي تتطلّبها مختلف أنماط التنمية في ولاياتهم بمفردهم، وإنما سوف يكونون مجرد منفّذين وتحت رحمة أوامر وتعليمات المسؤولين المركزيين الكبار في مختلف الوزارات التي تشكّل الهيكل العام التنفيذي للحكومة الجزائرية.
وفي الحقيقة، فإنّ هذا التوازي القائم بين الجهازين السياسي والإداري في المشهد الجزائري ليس جديداً، وإنما هو وضع مكرّس منذ الاستقلال إلى الآن، علماً أنّ الأمر قد اختلف قليلاً وشكلياً فقط في عهد الشاذلي بن جديد، عندما كان رؤساء المحافظات عبر البلاد، الذين كانوا نخبة النخبة ضمن أعضاء اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني التي كان يمثلها مكتبها السياسي المدعو حينذاك بالأمانة الدائمة للجنة المركزية التي كان على رأسها السياسي الجزائري المعروف محمد شريف مساعدية، أقوى سياسياً فقط من الولاة الاداريين الذين كانوا يحتكرون موازنات التنمية التي كانت تخصّص أغلفتها الدولة لتنمية مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية وهلمَّ جرَّا.
وفي هذا السياق، فقد أكّدت الجهات المسؤولة في وزارة الداخلية الجزائرية التي تشرف على عمليات إدارة شؤون المحافظات وتعيين رؤساء الدوائر والولاة، أنّ ترقية 7 دوائر إلى ولايات منتدبة خلال هذا الأسبوع بشكل رسمي، قد جاءت نتيجة لدراسات مكثفة قام بها خبراء جزائريون لهم دراية في التنمية الجهوية، وذلك بعدما أمر الرئيس تبون بضرورة إنجاز هذا المشروع في تشرين الاول (أكتوبر) الماضي.
وفي هذا الخصوص، يُلاحظ أنّ الأحزاب المعارضة وأحزاب الموالاة وتشكيلات المجتمع المدني الأخرى، لم يتمّ إشراكها في عمليات انتقاء وترشيح هذه المحافظة المنتدبة أو تلك الأخرى، وفضلاً عن ذلك، فإنّ البرلمان بغرفتيه لم يشهد مناقشات وتحرّيات في هذا الخصوص، علماً أنّ أعضاء هذين الجهازين هما الأكثر دراية بأوضاع البلديات والدوائر والولايات بحكم تمثيلهما للقواعد الشعبية التي انتخبتهم بالدرجة الأولى.
إنّه بسبب هذه النقائص تبقى الدوائر والولايات مجرد هياكل إدارية تفتقد إلى الفاعلية السياسية الاستقلالية عن وزارة الداخلية التي تتحكّم فيها إدارياً وأمنياً جنباً إلى جنب الرئاسة، التي تنفرد في الواقع بقرارات تعيين كبار المسؤولين على رأس المؤسسات والقطاعات الحيوية عبر البلاد، وفي مقدّمتها الولايات التي تُعتبر في القانون الجزائري الممثل الشرعي في الجزائر العميقة للنظام الحاكم على المستوى المركزي.
نظراً لما تقدّم، فإنّ الرأي العام السياسي الجزائري المحايد يرى أنّ الإكثار من إنشاء الولايات لا يفضي بالضرورة إلى تقريب الادارة من المواطنين لحل مشاكلهم اليومية بسهولة وسلاسة كما يعتقد بعض المسؤولين الجزائريين على مستوى الهرم الأعلى للحكم، بقدر ما يعني، ربما، مضاعفة تعقيدات الأشكال البيروقراطية المتنوعة محلياً وعلى مستوى علاقة المحلي بالمركزي، علماً أنّ هذا ما حدث في التجارب السابقة عندما تمّ التقسيم الاداري في عهد الشاذلي بن جديد، ثم تُوّج بعد ذلك بتقسيم المقسَّم لأغراض سياسية تكتيكية بحتة، منها على سبيل المثال، تفعيل آليات دمج الإتنيات في فضاء هذه الولاية الجديدة أو نقلها من ولاية إلى أخرى، لإعادة توزيع فسيفساء هذه الإتنيات، بما أفضى في الماضي القريب إلى بروز مشكلة الخوف على الهويات الثقافية والإتنية جرّاء خلطها أحياناً كثيرة على نحو قلّص، مثلاً، من تميّز فرادة هوية هذه الإتنية الأمازيغية في شمال البلاد، أو تلك الطائفة الدينية المزابية في منطقة الجنوب، وهلمّ جرَّا.
- آخر تحديث :
التعليقات