إن الجدل حول الحرب والطبيعة البشرية لن يتم حله قريباً بين من يتحدث عن الجانب الوراثي للميل للعنف وبين من يتحدث عن الجانب الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.

هذه الجوانب تلعب جميعها الحلقة المفقودة في فهم الصراع على البقاء كسيرورة صراع وكقوة محركة طاغية لاستمرار فروع النوع ومواجهة تهديد ندرة الموارد. صراع من أجل الرغبة في فرض الهيمنة التي تغذيها تنوع أنماط الشخصيات البشرية وسطوة الحاجة إلى الانتماء لمجتمع وبيئة تغلفها خصوصية الهوية والموروث وتؤثر على الفرد ليكون جزءاً من دينمايكية الإقرار الجماعي لتبني وأتباع سلوك ما وعدم الرغبة من الخروج من دائرة أهمية أن يكون الفرد ضمن المجموعة، ولربما شعوره بالارتباط الروحي بقوى خفية يؤمن بوقوفها بجانبه في كل الأحوال.

وتأثير التقاليد والعادات الرئيسة من جهة أخرى، وإنْ كانت حوادث العنف المكثف الذي تتسبب في عدد كبير من الضحايا موجودة في كل مكان على الكرة الأرضية في عصور ما قبل التاريخ ولها مؤيدون كثر، ولها صدى ثقافي بالنسبة لأولئك الذين هم على يقين من أننا كجنس بشري نميل بشكل طبيعي نحو شن الحروب والإشارة دائماً إلى التاريخ بالرغم من أن الاكتشافات الأثرية لا تقدم سوى القليل من الأدلة التي تشير إلى أن الحرب كانت حقيقة من حقائق الحياة منذ القدم.

ومن زاوية أخرى نجد أن علماء الأحياء وعلماء النفس ودراسة المجتمع وتاريخ تواجد المجموعات البشرية وعلماء الأعصاب، في حوار دائم حيال هل أنه من الصحيح علمياً القول بأن الحرب أو أي سلوك عنيف آخر مبرمج وراثياً في طبيعتنا البشرية؟ وهنا يميل بعض علماء الأحياء والنفس وبأنه ليس كذلك ويقف صف منهم ضد التشاؤم البيولوجي، بينما يواصل بعضهم الآخر تقديم الحجج البيولوجية لميل البشر الفطري نحو العنف، وبأننا كبشر في وقتنا الراهن نُعتبر الناجون المذهولون من عادة متواصلة من خمسة ملايين عام من القتل المميت.

وفي الجانب النفسي الاجتماعي والأنثربولوجي يرى العديد من العلماء أن الحرب لم تكن موجودة دائماً،وهي اخترع بشري ولو كانت الحروب جزءاً من جيناتنا لما كان علينا أن نتدرب ونكتسب مهارات إضافية حتى نكون قادرين على القتال في الحروب.

منذ أن عرف الإنسان مفاهيم الفلسفة الفكرية وانتشارها بين الأمم بدأت الحروب والميل لها يتزايد بين المجموعات البشرية كلما ارتفعت وتيرة ما نعتبره تحضراً. وكان نشؤء الحضارات أحد العوامل الرئيسة في فرض ثقافة وعادات وتقاليد ومفاهيم مجموعة بشرية على مجموعة بشرية أخرى وبروز القوميات والتمييز على أسس الانتماء لمجموعة من دون الأخرى ولربما كانت الحرب من وجهة نظر بعضهم علامة المجتمعات المتحضرة وليس المجتمعات البدائية وفق تصنيفاتنا الحديثة.

مع تطور المخاوف الأخلاقية مثل الإحساس القائم على الضمير، والتفريق بين الصواب والخطأ وفق رؤية كل مجتمع، ومفاهيم العدل والمساواة وجعل الحس الأخلاقي فريد بالنسبة لكل مجتمع ولكي يؤكد كل مجتمع صحة وجهة نظره وما يتبناه من سلوك ومفاهيم تميزه عن غيرة وتجعله مختلف، كان لابد من آلية لحسم ذلك الشعور بالتفوق.

وصاحبَ ذلك الشعور الأحقية بتملك ما يملكه الآخر لاستمرار التفوق وجعل مجموعة ما الممثل الرسمي للقيم العليا، والتي تحتاج حراستها لموارد أكثر ومساحة جغرافية أكبر، وثروات ممتدة لسيطرة على الآخرين ونشر قيم التحضر الخاصة بالمجموعة التي أصبحت هي الأقوى، وبالتالي موت الآخرين ودمارهم لا يعني شيئاً في سبيل تطور ورقي النوع البشري المتفوق، والذي ينتمي لنفس الجد الذي قامت عليه تلك الحضارة.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات