دورة الحياة مثيرة جدًا، ومتابعتها والتمعن في تفاصيلها أمرٌ ممتع ويلقي ضوءًا على نظام الكون الجبار.
مازلت أذكر ما كانت تذكره معلمة العلوم في المرحلة الابتدائية عن دورات الحياة بطرق مبسطة، ومنها النبات الذي ينمو فيأكل الأرنب منه، ثم يأتي الأسد ليأكل الأرنب، وإذ بحيوانات أصغر وزواحف وحشرات تأكل من بواقي طعام الأسد.. وهلم جرا.
وأتذكر شروح السلسلة الغذائية، حيث المستوى الأول والكائنات الحياة التي تسمى «منتجين»، مثل الطحالب والعوالق النباتية التي تصنع غذاءها بنفسها عبر البناء الضوئي وتحوله لطاقة كيميائية، والمستوى الثاني حيث المستهلكون الأساسيون؛ أي الكائنات التي تتغذى على المنتجين مثل الأرانب التي تأكل العشب، والطيور والحشرات آكلة الغطاء النباتي، ثم المستوى الثالث حيث المستهلكون الثانويون مثل الثعالب والثعابين التي تتغذى بدورها على المستهلكين الأساسيين. وفي المستوى الرابع، تتغذى كائنات مثل الذئاب والصقور على المستهلكين الثانويين. إنه أمر بديع حقًا..
لسببٍ ما تذكرتُ سلاسل الطعام هذه التي تُبقِي على الكوكب حيًا يرزق، ولو كان رزق البعض يأتي «على قفا» البعض الآخر، ولكنه يظل رزقًا منظمًا متواترًا مدروسًا ومخططًا، وذلك أثناء وجودي في منطقة خان الخليلي البديعة قبل أيام. زرت هذه المنطقة السياحية التي أعتبرها «ترمومتر» بالغ الأهمية من ترمومترات المجتمع المصري.
والميزة في ترمومتر خان الخليلي أنه لا يقيس فقط حرارة السياحة، لكنه يقيس كذلك حرارة المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والسلوكية والأمنية في منظومة كاملة متكاملة.
وكم كانت سعادتي بالغة وأنا «محشورة» وسط جموع من السياح من شتى بقاع الأرض.. اللهم دمها نعمة واحفظها من الزوال.. والحقيقة أن السعادة لم تكن بأعداد السياح فقط (اللهم بارك)، ولكن لمست تغيرًا إيجابيًا في تعامل أصحاب المحال والبازارات والعاملين فيها مع السياح. آخر مرة زرت فيها المنطقة أصبت باكتئاب وغضب كبيرين؛ لفرط التطفل بشتى أشكاله وأنواعه، وهو التطفل الذي لا يدري صاحبه أثره المميت على قطاع السياحة برمته.
يعتقد المتطفل أنه لطيف خفيف ظريف، أو أنه «يسترزق»، لكنه في الواقع يقطع عيشه وعيش من حوله دون أن يدري. هناك تغيّر إيجابي دون شك، وهذا التغير انعكس بشكل واضح على الجو العام في الخان وعلى وجوه السياح المرتاحة والسعيدة.
وأعود إلى مسألة سلاسل الغذاء وعلاقتها بالخان.. فعلى هامش الزيارة، لا يسعني سوي متابعة عمل هذه السلسلة بشكل يدعو للاندهاش. المندوب، وليس المرشد السياحي، المصاحب للفوج بـ«بيزنس» على مستوى ضيّق، يتفق مع صاحب محل الفضة على بيع الخرطوش الفرعوني لسائحتين بسعر كذا، على أن «يطلع من البيعة» بمائة جنيه.. بائع الهدايا التذكارية يؤكد للسائح أنه سيحصل على تخفيض 30 في المائة، حال دفعَ بالدولار أو اليورو. أعلم أن هذا النوع من «بيزنس سلسلة الطعام» معروف منذ عقود، ولكن السلسلة متسعة وبات فيها الكثير من الابتكار.
التعليقات