تناقلت الأنباء خبراً قبل نهاية السنة المنقضية مفاده أن المفاوضات انتهت الى الفشل بشأن عملية ملء سد النهضة الإثيوبي بين وفدي دولتي المصب لنهر النيل مصر والسودان ودولة المنبع إثيوبيا، والأمر يحتاج إلى شيء من التوضيح والشرح لأن الملف لم يغلق بعد، وأن المفاوضات ستبقى، إنما المقصود هو الانتهاء من الملء الأول الذي تطلب أربع مراحل كان آخرها في سبتمبر 2023، الملء الرابع نجح في تخزين 15 مليار متر مكعب ليصبح إجمالي التخزين نحو 32 مليار متر مكعب ووصول منسوب بحيرة السد الى 625 مترا أي نصف كمية التخزين المستهدفة والبالغة 74 مليار متر مكعب.
السؤال: إذا كانت المراحل الأربع تمت بسلام ودون حدوث أضرار في دولتي المصب مصر والسودان فعلى ماذا ستتفاوض مصر بعد ذلك؟ بحسب المختصين وخبراء المياه سيكون التفاوض على ما تبقى من عمليات تخزين المياه للوصول الى مستوى 74 مليار متر مكعب، وبعبارة أوضح سيكون التفاوض على ما يمكن إنقاذه بعد هذا الفشل الذريع.
ماذا يعني هذا الوضع؟ وإلى ماذا انتهت معاناة 22 سنة من عمر السد، وعمر التفاوض والتهديد بالحرب والكوارث التي تنتظرنا؟ وأين أصبح اتفاق إعلان المبادئ الموقع من الرؤساء الثلاثة: إثيوبيا ومصر والسودان عام 2015، والذي ينص على التوصل لاتفاق ملزم بشأن عمليات الملء والتخزين للسد؟!
ليس صعبا على المتابع أن يضع إصبعه على نقاط النجاح لدى الإثيوبيين ونقاط الضعف لدى الجانب العربي مصر والسودان، صحيح أن أديس أبابا راوغت وتراجعت عن تعهداتها عشرات المرات والتزاماتها، لكنها حققت أهدافها بالكامل، وإذا استمرت بهذا النهج وسارت الأمور كما تشتهي وتأمل فستكون إثيوبيا بنهاية المطاف قادرة على التحكم في كميات إطلاق المياه من خلف السد وأمامه وبالتوقيت المناسب الذي يخدمها.
إن ما انتهى إليه الوضع في سد النهضة الإثيوبي يقودنا الى استنتاج مفاده أن الإدارة المصرية لهذا الملف منذ عام 2011 فشلت في تحقيق أي مكسب سياسي أو مائي بل على العكس تماما، فعندما يراجع المراقب الخط البياني للموقف المصري وبالتبعية السوداني سيصدم من تكبير «كرة الثلج» التي تدحرجت ولم يبق منها شيء وعلى مدى 22 عاما كان الخطاب الناري والتهديد بالحرب والكارثة التي تنتظر مصر والسودان هي سائدة نفاجأ اليوم بأن كل ما قيل لم يحصل وليس له أثر.
الموقف المصري وكما أعلنه بيان صادر عن وزارة الري يوم 20 ديسمبر 2023 كان واضحا بنعي المفاوضات، وبالقول إن المسارات التفاوضية قد انتهت، شيء من المصارحة في هذا الشأن إذا كانت عمليات الملء الأربع تمت دون وقوع أضرار، فالسؤال هل أخطأت مصر بكيفية التعامل مع هذا الملف منذ نشوئه أم أن تعاقب الرؤساء واختلاف الأسلوب والتخاطب له دور في ذلك؟
هل يمكن القول إن موضوع السد وصل الى نهايته وأنه لا رجعة فيه، فلا حروب من أجل المياه ولا كوارث زراعية أو جفاف ينتظرنا؟ الجواب بالطبع: (لا)، فأمامنا أشواط طويلة، والأمر يحتاج فعلا الى مراجعة وتقييم أين أخطانا ومن يتحمل النتائج؟ ألا يستوجب ملف سد النهضة أن يفتح وبموضوعية من قبل لجنة محايدة تقول ما لا يمكن السكوت عنه، هناك عقول مصرية جبارة وذات كفاءة وخبرات ميدانية تستطيع أن تقوم بالدور الوطني والفني والمائي المطلوب إذا منحت الصلاحيات الكاملة، فلربما نصل إلى الإجابة عن سؤالنا المشروع: أين أخطانا وأين نجحنا؟
التعليقات