شغلت غزة العالم، أنطقت صامتين، وشغلت محللين، وغيّرت في اتجاهات الرأي العام، تعاطف معها كثير ممن كانوا ضدها يوم السابع من أكتوبر، وانحاز إلى أهلها من المدنيين العُزّل وأطفالها الأبرياء ونسائها المكلومات كثيرون، بعد أن شاهدوا آلة الحرب تدمر منازلهم وتمزق ذويهم وتجبرهم على ترك مناطقهم، للانتقال إلى مناطق يقولون لهم إنها آمنة، ولكنهم يُفَاجَؤُونَ بها مناطق للقتل والتجويع والتعطيش الجماعي.

انشغل الإعلام بغزة، وامتلأت مواقع التواصل بمشاهد مروعة من هناك لتتكشف حقائق طمَسَها الإعلام الغربي على مدى 75 عاماً، وليعرف المضللون مَنْ الضحية ومَنْ الجلاد في هذا الصراع؟، ولكن الحرب ليست على غزة وحدها. المعارك تدور في عدة جبهات، منها جبهة الشمال وفق قواعد الاشتباك، صاروخ مقابل صاروخ، وجندي مقابل مقاتل، ومدني مقابل مدني؛ والمرشحة للتوسع بعد اغتيال القيادي الحمساوي صالح العاروري في لبنان. وهناك أيضاً جبهة البحر الأحمر التي تكاد تجعلها حرباً إقليمية بعد الهجمات الانتقامية على سفن وناقلات في البحر الأحمر متجهة إلى إسرائيل ؛ والجبهة الرابعة هي جبهة الضفة الغربية التي تزامن اشتعالها مع اشتعال جبهة غزة، وهي الجبهة التي لم تأخذ حقها الكافي إعلامياً ولا دبلوماسياً، ناهيك عمّا يحدث في القدس من اعتقالات وقتل وهدم للمنازل وطرد فلسطينيين من منازلهم للسطو عليها.

عمليات القتل والاعتقال لا تقتصر على أهل غزة فقط، ولكن أيضاً أهل الضفة بل وأهل القدس لهم نصيب منها، ولو طالت إسرائيل اعتقال الفلسطينيين بالخارج لفعلت. ومع نهاية عام 2023 بلغ عدد شهداء الحرب 22141، منهم 98 في المئة في قطاع غزة، بينهم نحو 9 آلاف طفل و6450 امرأة، في حين بلغ عدد القتلى في الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 319 قتيلاً، منهم 111 طفلاً و4 نساء. أما عدد المعتقلين خلال الحرب في الضفة فقد اقترب من 5000 معتقل، بينهم المئات من الأطفال والنساء. وبالتالي فإن الاعتقالات العشوائية للفلسطينيين ينبغي أن ينتبه لها العالم، ويتخذ موقفاً بشأنها. الضفة كانت دائماً هدفاً للاستفزاز الإسرائيلي، الاعتداءات عليها تفوق الاعتداءات على غزة، انتهاكات لا تتوقف، ولا يقوم بها الجيش وحده، ولكن المستوطنين أيضاً. والهدف من الحرب على غزة وعلى الضفة واحد، وإن اختلفت الأساليب، اليوم يريدون إبادة أهل غزة وتدميرها بشكل كامل، ويعملون على ذلك باستخدام القوة المفرطة جواً وبحراً وبراً، وفي الضفة يريدون إذلال أهلها وكسر إرادتهم، وتجريدهم من حق التضامن مع أشقائهم. أما الهدف الجوهري فهو تهجير فلسطينيي غزة والضفة، إما طوعياً وإما قسرياً، ليلحقوا بأجدادهم الذين تم تهجيرهم عام 1948، مع وعود دولية بإعادتهم وهو ما لم يتحقق.

التهجير القسري رفضه العالم كله، ورغم ذلك لا يزال مسؤولون إسرائيليون يتحدثون عنه، وكأنهم يقولون للعالم، «اختاروا ما بين اثنين إما الإبادة، وإما التهجير»، فالمهم عندهم ألا يبقى فلسطيني على أرضه.