تعد المنافسة في الأسواق سلاحا ذا حدين فإن كانت منافسة عادلة تشجع الوفرة والتنوع في السلع والخدمات ذات الجودة العالية والأسعار التنافسية، وفرت للمستهلك حياة أفضل وثقة بأن الأسواق تحت رقابة مستمرة لتحقيق هذه الأهداف. وإن كانت المنافسة في الأسواق تقوم على ممارسات احتكارية وغير مشروعة، فهذا ما يستدعي اتخاذ إجراءات حازمة لوقف هذه الممارسات. هذا ما تقوم به الآن الهيئة العامة للمنافسة التي أسست 2004 لتحل محل عدة أجهزة تقوم بهذه المهمة في الماضي. ولأن طبيعة عمل الهيئة تتطلب الدقة والحزم فقد تعاقب على رئاسة مجلس إدارتها رجال عرفوا بالمهنية آخرهم الرئيس الحالي الدكتور أحمد الخليفي محافظ البنك المركزي السابق إضافة إلى الجهاز الإداري للهيئة. عودة إلى المهام الكبيرة للهيئة العامة للمنافسة، أقول إن الرقابة في سوق كبيرة ومفتوحة مثل السوق السعودية ليست بالأمر السهل، ولذا فإن أبرز اختصاصات الهيئة هي دراسة السوق والقطاعات في حال وجود مخالفات للنظام أو رغبة في تعزيز المنافسة فيها، ونشر ثقافة المنافسة في المنصات الإعلامية ووسائل التواصل لتعزيز الوعي لدى العموم وقطاع الأعمال وإثراء المعرفة المتخصصة، وكذلك القيام بإجراء التقصي والبحث وجمع الاستدلالات والتحقيق والادعاء العام في الممارسات المخلة بالمنافسة، ويلاحظ أن عقوبات الهيئة تكون مسبوقة بدراسة وتحقيق دقيق ما يدل على عملها المنظم ومنهجية واضحة وليست ردة فعل لمطالبات متداولة، كما أن الهيئة لا توقع العقوبات بنفسها فهي تحرك دعاوى قضائية. وانطلاقا من ذلك قررت الهيئة أخيرا تحريك دعاوى جزائية ضد 64 منشأة عاملة في قطاع السيارات من الموزعين ومعارض السيارات التي كثرت شكاوى المواطنين حولها. حتى أصبحت حديث المجالس في الفترة الماضية. شملت المخالفات الاتفاق على تحديد الأسعار وتقاسم الأسواق حسب المناطق الجغرافية، وغير ذلك من المخالفات التي تحد من المنافسة العادلة وتؤثر في مصلحة المستهلك. إضافة إلى دعاوى أخرى ضد المنشآت في قطاع الدواجن للأسباب نفسها.
أخيرا، يتسم عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، والأمير محمد بن سلمان ولي العهد بالحزم في كل الأمور، خاصة ما يتعلق بتوفير جودة الحياة للمواطن، ولذا فإن من المنتظر أن تتحرك جميع الجهات الرقابية لضبط المخالفات التي تحول دون تحقيق هذا الهدف الكبير، وتأتي جهات مثل وزارة التجارة ووزارة الشؤون البلدية والقروية والهيئة العامة للعقار والهيئة الجديدة للتأمين في مقدمة هذه الجهات، ويشهد لهذه الجهات بجهودها، لكن المخالفات تزداد مع توسع النشاطات والأسواق ما يتطلب مزيدا من الجهود لمراقبة الأسعار والمخالفات الأخرى، وتأتي زيادة إيجارات المساكن والعقارات التجارية وتكاليف التأمين ضمن أهم القطاعات التي ينتظر المواطن وضع نظام واضح وضوابط للزيادات فيها، وبأسرع ما يمكن للحد من تأثيرها السلبي في الجميع.
التعليقات