حينما نادت إيران بدبلوماسية الجوار من أجل إصلاح العلاقات مع جيرانها من الدول العربية والخليجية، تعاطى معها جيرانها الإقليميون على نحو إيجابى، فكان اتفاق المصالحة الإيرانية - السعودية وتبادل الزيارات مع الإمارات وتوجيه دعوات السلام ورفع مستوى العلاقات مع مصر التي لم تتجاوب سلباً.

لكن من جهة أخرى كانت تعاملات إيران مع الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة واضطرابات البحر الأحمر منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي كلها تلقي بظلالها على سياسة الجوار الإيرانية وأهدافها وما تريده إيران، وبالنظر إلى كون إيران دولة إقليمية لديها مقدرات قوة وتعمل على تعظيمها ويحرك السياسة الخارجية الإيرانية إطار نفسي يدفعها إلى السعي نحو مشروع وصفه كثير من قادتها بالهيمنة والنفوذ، ومن ثم فإنه يصطدم طوال الوقت مع مصالح الدول الأخرى، تسعى طهران من خلال التطورات الإقليمية الجارية والسابقة في الماضي إلى تقديم ذاتها باعتبارها حارس البوابة للإقليم، أي القوة الإقليمية التي قولبت أزمات الإقليم بما يتفق ومصالحها، وأنها مفتاح التأثير في تلك الأزمات، ومن ثم فعلى القوى الدولية التعامل معها عند حل أزمات المنطقة.

وهذا هو الهدف الإيراني للنظام الحالي، وهو لا يختلف عن طموحات القوة لدى نظام الشاه الذي سعى ليكون شرطي الخليج والحليف الأوثق والأوحد للولايات المتحدة، ومن هنا نستنتج أنه لا يوجد عداء بين إيران وواشنطن، بل تستهدف طهران اعترافاً أميركياً بها كقوة إقليمية عبر اللجوء إليها لحل أزمات الإقليم، وآخرها أزمة الحوثيين وغياب الأمن في البحر الأحمر.

وفى ظل أزمة هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر أرسلت واشنطن رسالة إلى إيران عند توجيه ضربة أميركية - بريطانية ضد أهداف حوثية، وإن كان هذا يحقق لطهران ما تريده من لجوء واشنطن إليها في شأن الميليشيات في المنطقة، لكن هذه السياسة لا تحقق لطهران ما تريده من قبول إقليمي ونجاح لدبلوماسية الجوار، فإيران تهدد مصالح الدول الأخرى بسياستها الإقليمية.

وإذا كانت إيران تستهدف تصفير المشكلات وكسر عزلتها الإقليمية والدولية فينبغي لها أن تعترف وتحترم مصالح الدول الأخرى، وهو ما يعني ضرورة حوار حقيقي بين دول الإقليم على أساس مبادئ حسن الجوار، لا سيما وأن التفاخر الإيراني بكسر عزلتها الإقليمية والدولية ليس واقعياً، فإيران ليس لديها كثير من الأصدقاء على المستوى الإقليمي والدولي، ومن ثم فمن المصلحة الإيرانية العمل على توظيف دبلوماسية الجوار والاستفادة من التعاطي العربي - الخليجي الإيجابي معها من أجل مصلحتها ومصلحة الإقليم.

ومن جهة أخرى فإن السياسة الإيرانية التي تستهدف لعب دور المهيمن الإقليمي وحارس البوابة لم تنتج سوى أزمات إقليمية ممتدة لعقود، والعراق وسوريا أوضح أمثلة، فحينما تعاملت واشنطن مع إيران إبان سقوط نظام صدام حسين وهنّدس الطرفان شكل النظام السياسي العراقي، لم ينجح العراق حتى اللحظة الراهنة في تحقيق استقرار داخلي، ناهيك عن الأزمات الاقتصادية التي لا يزال يعانيها.

وكذلك سوريا التي تدخلت إيران لمساندتها في الحرب الأهلية عام 2015، فتعقدت الأوضاع فيها وأصبحت ساحة للتنافس والصراعات الدولية والإقليمية، ومن ثم فإن أية قوة إقليمية تسعى إلى تحقيق النفوذ في الإقليم يجب أن تقدم منافع وخدمات لمصلحة دول المنطقة، حتى تكون لديها مكانة إقليمية واعتراف بدورها في بسط الأمن والاستقرار الإقليمى، كما يجب أن يكون لنظامها السياسي صدقية ولديها نموذج ثقافي واجتماعي جذاب بين شعوب المنطقة.

وكل ما سبق لا ينطبق على النظام الإيراني، فإيران تحصيل المكاسب من دون تقديم منافع لدول المنطقة، ومن ثم لم تشهد أي من دول الصراعات التي لدى إيران علاقة بالجماعات المسلحة فيها أية مبادارات إيرانية أسهمت في حل أزماتها السياسية والاقتصادية، بل على العكس تمارس أنواع الهيمنة الاقتصادية والسياسية على تلك الدول.

وحتى تنجح إيران في جني ثمار دبلوماسية الجوار عليها أن تعيد النظر في سياستها الإقليمية من حيث الأدوات والأهداف، والتخلي عن إدراكها المزدوج القائم على الإحساس بالفخر والاضطهاد والظلم في الوقت ذاته، حتى يمكن لدول الإقليم التعاون والتكامل معها وتعظيم مواردها على نحو أفضل في إطار يحترم مصالح الدول الأخرى.