كثيرة هي القضايا التي تؤرق تركيا في العام 2024. غير أن الهجوم الذي شنّه مقاتلو حزب العمال الكردستاني على قاعدة تركية في شمال العراق ليلة 12-13 كانون الثاني / يناير الجاري أثار عاصفة لا تهدأ.
فالهجوم أولاً أسفر عن عدد كبير من القتلى في صفوف الجيش التركي بلغ تسعة جنود وفقاً للرقم المعلن. وثانياً حصل الهجوم على قاعدة عسكرية تركية يفترض أن تكون متحصنة وفي مأمن من الهجمات البرية المباشرة. ولكن الأخطر أن الهجوم هو تكرار لنسخة 22 ديسمبر(كانون الأول) الماضي، أي قبل أقل من شهر، من هجوم مماثل شنّه مقاتلو حزب العمال في المنطقة نفسها وبالطريقة نفسها وفي الظروف المناخية العاصفة نفسها. حينها سقط 12 جندياً على الأقل، وأثار أيضاً صدمة كبيرة ليس فقط على صعيد الخسائر بل في تداعياته الداخلية.
فالأحزاب التركية التي تداعت لإصدار بيان معتاد في مثل هذه الحالات شهدت انقساماً حيث رفض «حزب الشعوب للديمقراطية والمساواة» الكردي توقيع البيان الذي «يلعن» الإرهاب وحزب العمال الكردستاني، وهذا موقف كان متوقعاً. غير أن حزب الشعب الجمهوري العلماني وهو حزب المعارضة الأكبر رفض أيضاً أن يوقع البيان.
مع الهجوم الأخير تكرر السيناريو نفسه لكن مع عدم إصدار أحزاب البرلمان أي بيان «يلعن» عملية الكردستاني وكل عمليات الإرهاب. المسألة هنا لا تتعلق فقط بالصراع الداخلي السياسي بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الشعب الجمهوري المعارض بل في أساس الموقف من القضية الكردية في تركيا.
واستمرت الهوة في الاتساع بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري في قضية أساسية مثل القضية الكردية، مع مضي حزب الشعب الجمهوري في محاولات التنسيق والدخول في الانتخابات البلدية المزمع إجراؤها في 31 آذار/ مارس المقبل، بلوائح مشتركة ما يشكل ضغطاً على مرشحي حزب العدالة والتنمية، ولا سيما أن حزب «الرفاه من جديد» الحليف ولو الصغير لحزب العدالة والتنمية رفض الدخول في تحالف انتخابي مع العدالة والتنمية ولا سيما في اسطنبول حيث يتوقع أن تجري أم المعارك بين مرشح السلطة مراد قوروم، والمعارضة الرئيس الحالي للبلدية أكرم إمام اوغلو.
إلى الخلافات الداخلية في الموقف من عملية حزب العمال الكردستاني الجديدة في شمال العراق كان الرد التركي الأوّلي واسعاً جداً، وطال قصفاً بالطائرات المقاتلة والمسيّرة أكثر من مئة هدف في شمال العراق وشمال شرق سوريا حيث تتواجد، وفقاً لأنقرة، قواعد ومراكز المقاتلين ومن تسميهم بالإرهابيين.
يحصل كل ذلك مع بداية العام الجديد 2024. ولكن هذا التاريخ ليس عادياً بل هو ذكرى مرور أربعين عاماً على انطلاق عمليات حزب العمال الكردستاني العسكرية ضد الجيش التركي. وكان ذلك بداية لحرب مفتوحة بين الطرفين التركي والكردي سقط خلالها حتى الآن أكثر 40 ألفاً بين سكان مدنيين وجنود أتراك ومقاتلين أكراد والعدّاد لا يزال يعمل.
ومع ذلك لا تزال الضحايا تسقط في الجانبين ولا تزال الحرب متواصلة من دون أي أفق، على أمل ألا يكون العام 2024 بداية أربعين عاماً جديدة من صراع دموي مفتوح.
التعليقات