من ضمن الوسائل التي تتخذها الصين، في سياستها الودودة نحو منطقة الخليج والعالم العربي، دعم بعض القضايا العربية، ومن ذلك: تأييد الصين الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. ومعروف أن أول من اعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية، من غير العرب، هي الصين. ولم تكتف بذلك، بل دعمت المنظمة بالأسلحة، وبتدريب عناصرها المقاومة. ولم تقم الصين علاقات مع إسرائيل إلا عام 1992م، وتحت الضغوط الغربية، وبعد مؤتمر مدريد المنعقد عام 1991م.

وينبع هذا التأييد من إدراك الصين لعدالة القضية الفلسطينية، ولما قاسته الصين من معاناة على يد المستعمرين الغربيين؛ فقد عمل هؤلاء المستعمرون كل ما بوسعهم لإخضاع الصين، وإبقائها ضعيفة متخلفة. ولم تستطع القوى الاستعمارية الغربية العالمية أن تفعل بالصين ما فعلته بالعالم العربي. فالصين اليوم، بعدد سكانها الهائل، الذي يصل إلى 1.4 بليون نسمة، ومساحتها الضخمة (9.562.842 كم2) أمست كاملة السيادة والاستقلال، والكرامة، والتحرر من ربقة النفوذ الإمبريالي الغربي العالمي.. وأصبحت قوة عظمى جديدة. بينما أغلب العالم العربي عبارة الآن عن: دول ودويلات ممزقة، أغلبها متشرذمة، ومتخلفة.. وبعضها أضحت دولاً فاشلة، أمست نهباً للمطامع الاستعمارية، وباتت فريسة للذئاب الدولية الكاسرة.

لقد تعرضت الصين، عبر تاريخها الطويل، لمطامع أجنبية شرسة وواسعة، لعل آخرها ما أصابها من حركة المطامع الاستعمارية الأوروبية، التي نشطت في القرنين التاسع عشر والعشرين، والتي كان أبرز أبطالها: بريطانيا، فرنسا، هولندا، البرتغال، إسبانيا، ثم أمريكا في ما بعد. ولكن هذه القوى فشلت -على الأصح- في تنفيذ خططها الاستعمارية السلبية في الأرض الصينية. كما عجزت عن منع المارد الصيني من الخروج لاحقاً من قُمقمه. فها هو الآن يصعد قمة العالم الاقتصادية – السياسية، وبتصميم وقوة، وينافس تلك القوى على صدارة العالم.

لقد تفنن الاستعمار الغربي في استخدام (وسائل جهنمية) عدة، هدفها إخضاع الصين، وتمزيقها وإضعافها، لتسهيل سيطرة القوى الغربية عليها، وضمان استغلال مواردها المختلفة، والحيلولة دون نهوضها، في المدى الطويل. ومن (الوسائل) التي اتبعتها بريطانيا، الدولة المخضرمة في الممارسة الاستعمارية: محاولة تفكيك الصين، وتحويلها إلى دول صغيرة ودويلات مستضعفة، على رأس أغلبها أنظمة عميلة، تخدم مصالح المستعمرين، قبل الصالح العام لشعوبها، وترويج «الأفيون» (المخدرات) ومحاولة نشره بين أكبر عدد ممكن من أبناء الأمة الصينية. ولعل القارئ يذكر (حروب الأفيون) الشهيرة... التي شُنت ضد الصينيين، وغير ذلك.

ولم يتمكن الاستعمار الغربي من خلق (إسرائيل) في قلب الصين... لتكون خنجراً يعيق الأمة الصينية عن النهوض، ويعجزها عن الوقوف على قدميها، رغم أنه حاول عمل شيء من هذا القبيل؛ فلم تستطع بريطانيا وأمريكا جلب أناس يدعون أن إحدى المقاطعات الصينية هي أرضهم، وملك لهم...؟! لأن أناساً منهم عاشوا فيها، قبل حوالي ألفي عام؟! وأن من حقهم أن يطردوا أهلها -أهل تلك المقاطعة المنكوبة- ويقتلوهم ويشردوهم، لتحل مكانهم عصابات من (البشر) تأتي من شتى بقاع الأرض؟! صحيح، ساهم المستعمرون في إقامة (تايوان).. لاستخدامها كقاعدة متقدمة ضد الصين الأم.. وكمنطلق لوجستي مواتٍ، لتنفيذ مخططاتهم، التي فشلوا في تنفيذها في الماضي، ولكن الصين تمكنت من عزل تايوان، وربما تستعيدها قريباً، كما استعادت هونج كونج وماكاو..

لقد نهضت الصين بأيديولوجية خيالية، وغير واقعية، ألا وهي الشيوعية، رغم أنها (حورت) هذه الأيديولوجية بما يتناسب والواقع الحضاري الصيني. الشيوعية الماركسية، كفكرة، لم ولن ترى النور، لكونها فكرة خيالية، مغرقة في اليوتوبية، واللاواقعية. ولولا تحوير هذ الفكرة، لتصبح اشتراكية، ممتزجة برأسمالية الدولة، ومبادرات رجال الأعمال (الآن) لبقيت الصين متخلفة، ربما يشبه وضعها وضع جارتها كوريا الشمالية (الشيوعية). ولكان مصير حزبها الشيوعي مماثلاً لمصير الحزب الشيوعي السوفييتي. وما زال العالم ينتظر، ويتوقع، انفتاحاً سياسياً، يواكب الانفتاح الاقتصادي الصيني، جوهره السماح بقيام أحزاب سياسية أخرى.. تتنافس (سلماً) مع الحزب (الشيوعي) الصيني على السلطة.

الشاهد، أن هناك كثيراً مما يجمع بين العرب والصين الحديثة يجب توظيفه لخدمة المصالح المشتركة للجانبين. الصين في حاجة إلى العالم العربي، والأخير في حاجة متزايدة لكسر حلقة العداء الغربي المتأصل للعروبة ودين غالبيتها. والغرب المتنفذ ما فتئ يؤيد العدو الأول للأمة العربية، حتى وهو يقتل المدنيين الأبرياء على مرأى من كل العالم، وفي مقدمته هذا الغرب الاستعماري المتنفذ. وهذه المرة، رأى الغرب المتنفذ نقداً شديداً، ورفضاً لإطلاق يد إسرائيل (الدولة الإرهابية بامتياز)؛ لقتل وتدمير الشعب الفلسطيني، وبإيعاز واضح وجلي من أسيادها الغربيين. صحيح أن الصهاينة غزوا فلسطين، وهم يحملون كل أحقاد الدنيا، وكراهية الأغيار؛ أي أنهم مجرمون محترفون، ولكنهم لم يجرؤوا على فعل ما يفعلونه من تنكيل وقتل وتدمير إلا بدعم من أسيادهم المستعمرين؛ الذين زرعوا هذا الكيان في قلب الوطن العربي، ليكون قاعدة عدوانية متقدمة ضد الأمة العربية تحديداً. ترى، متى تدرك هذه الأمة ما يحاك ضدها، من عدوها الأكبر، وأعوانه، وتنهض، لتقول لهؤلاء القتلة: لا، على الأقل.