إن التواجد والحراك الدولي في البحر الأحمر، وخليج عدن، والمحيط الهندي، يغير ترتيب بيت أنماط التفاعل الجيوسياسي على المستويين الإقليمي والدولي. ووجود العديد من القواعد والتجمعات العسكرية الأجنبية على طول الشواطئ الغربية للبحر الأحمر قد أدى إلى ظهور حقائق مادية جديدة لا تجعل المنطقة أكثر عرضة لعدم الاستقرار وحسب، بل تعيق أيضاً وتيرة التنمية التجارية والاقتصادية للعديد من الدول الموجودة هناك، وخاصة أن ما يدور من صراع في البحر الأحمر يؤثر على باقي ممرات العالم وكل دول العالم مجتمعة.
من جهة أخرى، يمر 12% من إجمالي التجارة العالمية من جميع السلع وما نسبته 30% من حاويات الشحن في العالم يومياً ونحو 10% من تجارة النفط، و8% من تجارة الغاز المسال عبر قناة السويس، بينما تصل حصة البضائع القادمة من مضيق باب المندب نحو 47% من حجم البضائع العابرة بقناة السويس.
ونتيجة لما يحدث في البحر الأحمر انخفض حجم التجارة عبر قناة السويس بنسبة 40% وانخفضت التجارة عبر قناة بنما، ثاني أكثر ممرات الشحن ازدحاماً من صنع الإنسان، بنسبة 30% منذ نوفمبر الماضي، ولا تقل الأهمية الجيوسياسية للبحر الأحمر عن الأهمية التي يمثلها للتجارة العالمية وانسيابية سلاسل التمويل والإمداد الدولية.
البحر الأحمر المحاط بثماني دول من جانبيه، وهي مصر واليمن وجيبوتي والسودان وإرتيريا والأردن والسعودية وإسرائيل، هو الشريان الرئيسي لربط قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا عبر قناة السويس ومضيق باب المندب، ولذلك يجب ألا يتفاجأ البعض بوجود قاعدة عسكرية لدولة مثل اليابان في تلك المنطقة، حيث تعد عملية تأجير الجزر والقواعد البحرية حرباً باردة من نوع آخر تدور رحاها في منطقة البحر الأحمر، وبالتحديد في الدول التي لا تمتلك قاعدة صناعية متينة أو مصادر ناتج محلي تقود لدخل قومي ثابت، وتمثل الخدمات والقواعد العسكرية وما يرتبط بها من فوائد متبادلة 80% من إجمالي دخلها في ملعب صراع ملتهب للقوى المؤثرة في العالم وحروب قد تندلع في أي لحظة بين بعض دول القرن الأفريقي.
من يتحكم في البحر يتحكم بالعالم، ومن يتحكم بالبحر الأحمر يتحكم بأسعار وكلفة نقل الطاقة الأحفورية في العالم، ففي كل يوم يتعطل فيه النقل البحري في قناة السويس يتحمل العالم تكلفة تبلغ 9 مليارات دولار أميركي، وترتبط قناة السويس بحرية وأمن الملاحة التي تمر عبر باب المندب، وتأثر قناة السويس يمس مباشرة باب المندب والعكس صحيح في ارتباط وثيق، حيث يعمل البحر الأحمر كحلقة وصل بين المياه الاستراتيجية للبحر الأبيض المتوسط، وقناة السويس، ومضيق هرمز، والمحيط الهندي. ونتيجة لذلك تواجه العالم تحديات مثل النزاعات على الحدود البحرية، والتهديدات العابرة للحدود الوطنية، والجرائم الدولية، بما في ذلك القرصنة والإرهاب، والتخلص غير القانوني من النفايات السامة والمواد الكيميائية، والصيد غير المشروع، وسرقة الموارد الطبيعية، والاتجار بالأسلحة والمخدرات، والملوثات النفطية، والجريمة المنظمة، وهي المسوغات التي تقف خلف الوجود الأمني ​​والعسكري لضمان حرية الملاحة وتنظيم التجارة وحماية مضيق باب المندب، الذي يعد المدخل الجنوبي الاستراتيجي للبحر الأحمر. كما تسعى جميع الأطراف التي تريد الهيمنة، أو أن تكون جزءاً من منظومة الهيمنة الجيوسياسية، إلى التواجد في إريتريا وجيبوتي والصومال وتشاد واليمن والسودان وإثيوبيا، كأدوات ضغط وتمركز حيوي وقواعد لوجستية للأنشطة التجارية وغير التجارية الدولية وكيانات جغرافية ذات أبعاد عابرة للقارات يجب تسجيل حضور ملموس بها، مهما كلف الأمر.
ونظراً لأهميته الاستراتيجية، والتنافس على النفوذ على البحر الأحمر والدول التي تعتمد عليه في التجارة والعبور، فقد أصبح القرن الأفريقي جزءاً لا يتجزأ وحلقة وصل بين الأنظمة الأمنية في منطقة الشرق الأوسط والمحيطين الهندي والهادئ، والبحر الأبيض المتوسط. وبالتالي، فإن التطورات في القرن الأفريقي لا تشكل تهديداً جيوسياسياً لهذه المناطق فحسب، بل تؤثر أيضاً بشكل مباشر على بيئاتها السياسية والاقتصادية والأمنية.

*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات