لوّح وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون قبل أيام، بأنّ بلاده قد تتخذ قراراً بالاعتراف بدولة فلسطينية بشكل مباشر، في حال بقيت آفاق التوصل إلى عملية سياسية توصل إلى حل الدولتين، مسدودة. وهو احتمال لم يستبعده وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن أيضاً.
ما يلوّح به كاميرون وبلينكن تحدث به من قبل الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، وتطرّق إليه قادة آخرون في العالم بينهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كمخرج من الوضع الذي يراوح مكانه بالنسبة للحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة.
خطوة كهذه تشكّل أداة ضغط قوية على إسرائيل من أجل وقف الحرب، والتنبّه إلى أنّ العالم لم يعد مستعداً لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وتحمّل عواقب أزمة صار عمرها أكثر من 75 عاماً. وما يطرحه قادة إسرائيل بعد إخفاق 7 تشرين الأول (أكتوبر)، هو العودة إلى المربع الأول، من عدم الاستعداد للاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره، والدفع نحو مشاريع التهجير القسري وتوسيع المستوطنات، واعتماد القوة وسيلة وحيدة للتعامل مع القضية الفلسطينية.
وهذه الذهنية ذاتها هي التي أوصلت إلى إخفاق 7 تشرين الأول (أكتوبر)، تماماً كما أوصل الصلف الإسرائيلي بعد حرب 1967 الدولة العبرية إلى إخفاق 6 تشرين الأول (أكتوبر) في حرب 1973. ومع ذلك، لا يزال ثمة في إسرائيل من لا يستوعب دروس التاريخ ويتعلّم بأنّ الأمن لا يتحقّق بالقوة وحدها، وأنّ للاستقرار طريقاً واحداً يمرّ بالاعتراف بحقوق الفلسطينيين والقبول بإقامة دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني.
إسرائيل تتعرّض اليوم لمساءلة الرأي العام العالمي، وهي مدانة أخلاقياً في الكثير من المنابر والمنتديات، في الغرب قبل أي مكان آخر. ما ارتكبته إسرائيل في نكبة 1948، ليس من السهل تكراره في 2024. ودول كثيرة تعاطفت معها بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر)، بدّلت في موقفها وهي تدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، طريقاً وحيداً للسلام.
وماذا يمكن أن يحصل لو رفعت واشنطن في لحظة ما الحماية الديبلوماسية عن إسرائيل في مجلس الأمن. وقد يكون ذلك من الاحتمالات الواردة في حال بقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرفض التوصل إلى هدنة ولو موقتة لتبادل الأسرى والرهائن وإدخال المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة، الذين لا يموتون تحت القصف والقنابل فحسب، بل يموتون جوعاً وعطشاً وفق تقارير للمنظمات الدولية.
ورداً على الوقوف في قفص الاتهام في لاهاي، أعلنت إسرائيل الحرب على وكالة "الأونروا" التي تُعتبر شرياناً حيوياً لملايين النازحين واللاجئين الفلسطينيين في الداخل والشتات.
الكثير مما هو مقبل على المنطقة، يتحمّل الرئيس الأميركي جو بايدن أيضاً مسؤوليته، إذا لم يبادر إلى فعل شيء حيال تمادي نتنياهو في رفض منح الفلسطينيين "أفقاً سياسياً".
ولن تكون الولايات المتحدة قادرة على محاصرة النيران ومنع امتدادها إلى الإقليم، إذا لم توقف نتنياهو. وكل الضربات الأميركية على اليمن وفي العراق وسوريا، لن تساهم قيد أنملة في استقرار الشرق الأوسط، بل هي مقدّمة لحروب ونزاعات لا نهاية لها إذا لم تتوقف حرب غزة وتُقام الدولة الفلسطينية.
وباستثناء حربي أفغانستان والعراق، فإنّ معظم الحروب التي تورطت فيها الولايات المتحدة، لم تختر هي بنفسها الذهاب إليها، وإنما حصلت على نحو تدخّلات رمزية في البداية قبل أن تتحوّل إلى مستنقعات.
الشرق الأوسط أكبر تحدٍ يواجهه بايدن في ولايته، وأخطر بكثير من النزاع الأوكراني. في أوروبا لم تطلق أميركا طلقة واحدة، بينما هي الآن تقصف الحوثيين في اليمن والفصائل الموالية لإيران في سوريا والعراق، بينما شبح الدخول في مواجهة مباشرة مع إيران لا يمكن استبعاده على رغم عدم رغبة واشنطن وإيران السقوط في الهاوية.
الاعتراف بدولة فلسطينية ربما يكون الصدمة التي تحتاجها إسرائيل كي تقلع عن نهج تتّبعه منذ 75 عاماً.
- آخر تحديث :
التعليقات