يواجه الحزب الديموقراطي الاجتماعي الذي يقود الإئتلاف الحاكم في ألمانيا برئاسة المستشار أولاف شولتس أزمة ثقة، تنعكس تدنياً غير مسبوق في شعبية الحزب، الذي يواجه استحقاقين مهمّين في الفترة المقبلة، هما انتخابات البرلمان الأوروبي في حزيران (يونيو) المقبل، والانتخابات في ثلاثة أقاليم شرقية في الخريف.


وعلى رغم أنّ شعبية الديموقراطيين الاجتماعيين بلغت ذروتها في خريف 2021، عندما أحرزوا المركز الأول في الانتخابات العامة، حائزين على 28 في المئة من الأصوات، فإنّ الاستطلاعات تُظهر الآن أنّ حزبهم يأتي في المرتبة الرابعة، ولن يحصل على أكثر من 15 في المئة لو أُجريت الانتخابات اليوم. ويسود القلق في أوساط الديموقراطيين الاشتراكيين من احتمال أن يلاقوا مصير الحزب الاشتراكي الفرنسي، الذي بات على هامش الحياة السياسية في فرنسا في السنوات الأخيرة.

هذا التراجع في الشعبية الذي يُعزى أولاً إلى أزمة اقتصادية بدأت مع اغلاقات كورونا، ومن ثم فاقمتها الحرب الروسية- الأوكرانية.
كانت ألمانيا تستورد 40 في المئة من الطاقة من روسيا. وبعد العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على وارداته من الطاقة الروسية، تحولت ألمانيا إلى الاعتماد على الطاقة المستوردة من الولايات المتحدة ومصادر أخرى، لكن بأثمان أعلى بكثير من أسعار النفط والغاز الروسيين.

أحدث هذا التحوّل موجة تضخم في العامين الأخيرين لم تشهد لها ألمانيا مثيلاً منذ أوائل التسعينات من القرن الماضي، فضلاً عن تراجع مداخيل المواطنين. وحاولت الحكومة إيجاد معالجات تعتمد على زيادة الإعانات للعاطلين من العمل. ولا تلقى المعالجات اجماعاً بين الأحزاب الثلاثة المكونة للائتلاف، وهي الديموقراطي الاشتراكي والديموقراطي الحر والخضر.

وعلاوة على ذلك، أشعلت الخطة الحكومية لفرض ضرائب على الديزل الزراعي في أيلول (سبتمبر) الماضي، انتفاضة في أوساط المزارعين الذين نزلوا بجراراتهم ليسدّوا شوارع المدن الكبرى احتجاجاً. وسرعان ما انضمّ إلى هؤلاء سائقو الشاحنات. وتبيّن الاستطلاعات أنّ ثلاثة أرباع الألمان يؤيّدون تحركاتهم.

والقرارات الحكومية التي لا تلقى شعبية لدى الناس، تؤثر سلباً على التأييد الذي يحظى به الحزب الديموقراطي الاجتماعي، حتى في مناطق كانت تُعتبر من معاقله في شرق البلاد. وتحت وطأة الأعباء الاجتماعية يتحوّل قسم لا بأس به من مؤيّدي الحزب إلى حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرّف.

وفي مواجهة هذه الظاهرة، شجّع شولتس على نزول الألمان إلى الشوارع في الأسابيع الأخيرة، ضدّ اليمين المتطرف، بعدما كشف موقع "كوريكتيف" المتخصّص بالصحافة الاستقصائية في كانون الثاني (يناير) الماضي، أنّ "البديل من أجل ألمانيا" شارك في اجتماع سرّي في مدينة بوتسدام في الخريف الماضي، في حضور ممثلين عن تيارات من النازية الجديدة ورجال أعمال، فضلاً عن ممثلين عن حزب "الهوية النمسوية" اليميني المتطرّف، وأنّ المجتمعين اتفقوا على خطة لترحيل جماعي للمهاجرين في حال وصل اليمين المتطرّف إلى السلطة.

اتخذ شولتس من الاحتجاجات المناهضة لليمين المتطرّف، منصّة من أجل رفع التأييد لحزبه. ومع ذلك، لا يبدو ذلك كافياً لاستعادة ثقة الناس، خصوصاً في أوساط العمال الذين يشكّلون غالباً القاعدة العريضة للحزب الديموقراطي الاشتراكي. وبما أنّ وطأة الأزمة الاقتصادية تقع على كاهل هؤلاء، فالأمر الطبيعي هو إحداث تحول في ولاءاتهم.

وتورد مجلة "الإيكونوميست" البريطانية، إحصاءً يفيد بأنّه منذ عام 2000 تدنت عضوية الحزب الديموقراطي الاشتراكي إلى النصف، لتصل إلى 365 ألفاً العام الماضي، وبأنّ 57 في المئة من هؤلاء هم فوق سن الـ60.

وعلى رغم أنّ دول أوروبا الغربية، واقعة كلها تحت تأثير الحرب الروسية- الأوكرانية، وتعاني على وجه الخصوص من ارتفاع تكاليف المعيشة، وزوال وضعية الرفاه التي تمتع بها مواطنو هذه الدول على مدى عقود، فإنّ ألمانيا تبقى قاطرة الاقتصاد الأوروبي عموماً ومحرّكه الذي لا غنى عنه للنهوض مجدداً.