انتظر المستوى السياسي مرة جديدة خطاباً للأمين العام لـ"حزب الله" لكي يتلمس ملامح الهوامش التي يمكنه أن يتحرك ضمنها في المفاوضات الجارية مع الموفدين الدوليين الذين يزورون لبنان ويتصلون بالمسؤولين الرسميين لكي يتخذوا موقفاً مما يجري في الجنوب اللبناني على الحدود مع إسرائيل، من أجل وقف حرب "المشاغلة" التي يخوضها "حزب الله" بقرار ذاتي منه، فارضاً إياها على أبناء المناطق الجنوبية من مختلف البيئات، كما على كل اللبنانيين في كل المناطق.

طبعاً، لا حياة لمن تنادي في المستوى السياسي اللبناني الرسمي، فهو مجرد أداة تعمل في خدمة الحزب المذكور. بعضهم متواطئ، والبعض الآخر مستسلم. ولكن النتيجة واحدة. من يقود دفة البلاد على كل المستويات هو "حزب الله" الذي فرض ويفرض أجندته على جميع اللبنانيين. فالبلاد في حالة حرب مستمرة منذ أكثر من أربعة أشهر، وأعلى المسؤولين في لبنان يتنافسون في تأمين الغطاء الشرعي لحرب "حزب الله" على الحدود.

طبعاً لا يقتصر ضرر الحرب على نتائج القتال الجاري فوق أرض الجنوب اللبناني، بل يتعداه إلى كامل لبنان من حيث المغامرة بأمن لبنان بكل تلاوينه المناطقية والطائفية والثقافية. فالأغلبية ترفض أن يكون مصيرها مرتبطاً بقرار تنظيم مسلح لم يفوضه لا القانون ولا الشعب بأن يفتح حروباً باسم لبنان واللبنانيين. يكفينا أنه تورط في حرب سوريا وانغمس في لعبة الدم حتى أذنيه. ويكفينا أنه تورط قبل ذلك بدماء اللبنانيين الذين عارضوه. لنا في ذكرى جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الإرهابية خير مثال على سلوك "حزب الله" في التعامل مع الداخل.

مع بداية تورط "حزب الله" في حرب "المشاغلة" جنوباً، كانت تقديرات المراقبين تشير إلى أن إسرائيل تبحث عن الحرب مع لبنان من أجل تغيير الواقع فيه وهي تحاول استدراج لبنان إلى حرب شاملة. لكن مع الوقت تبين أن الحزب المذكور هو الطرف الذي يهرول نحو الحرب آخذاً معه لبنان بأسره. مثله في ذلك مثل سائق عربة مليئة بالركاب قرر أن يندفع بها وبهم للارتطام بجدار إسمنتي فينتحر وينتحرهم معه!

إنه واقع صعب، خصوصاً أن الحكومة اللبنانية بأعلى مستوياتها متواطئة، ولا تسأل عن أكثر من مئتين وخمسين قتيلاً سقطوا حتى اليوم في الجنوب، إضافة إلى الخسائر الكبيرة التي أصابت القرى والبلدات الحدودية، ودفعت أكثر من 100 ألف لبناني إلى النزوح من الجنوب. ولا ننسى أن الخطر الداهم منذ أكثر من أربعة أشهر فعل فعله على مستوى الاقتصاد اللبناني في جميع المناطق، حتى البعيدة من جبهة القتال. فالبلاد معلقة ومصير الناس معلق على قرار فئوي مسلح يقامر بمصير أكثر من ستة ملايين لبناني.

أمس قال الأمين العام لـ"حزب الله" خلال خطاب ألقاه بمناسبة "يوم الجريح" إن "فتح الجبهة اللبنانية شكل مصلحة وطنية بالدرجة الأولى لمنع انتصار إسرائيل. والمشكلة هي اعتبار البعض ألّا جدوى مما نقوم به وهذا أمر كارثي". سؤالنا في المقابل كمراقبين وقد أصبح أقصى الأمل ألّا يقتحم الإسرائيليون المربع الأخير لـ"حماس" والفصائل في رفح التي لا تتجاوز مساحتها 16 كيلومتراً مربعاً: "هل حقاً منعت حرب "المشاغلة" من لبنان انتصار إسرائيل وخففت الضغط عن غزة؟".