نطق المفوض السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والأمن، جوزيب بوريل، ببعض الحقيقة عندما وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه لا يُنصت لأحد، ويحاول خداع الأوروبيين بتقديم ادعاءات بلا أدلة، ويستمر في ارتكاب المذبحة غير المبررة إطلاقاً، بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، ويهدد بارتكاب جريمة أفدح باجتياح رفح المكتظة بمئات آلاف اللاجئين.
موقف بوريل، وإن كان توصيفاً لواقع، إلا أنه، ككل المواقف الغربية، يأتي دائماً متأخراً ومنقوصاً، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، إذ لم يصرح المسؤول الأوروبي بما قد يفعله إذا تمادى نتنياهو في استهانته بالنداءات الإنسانية، والمناشدات الدولية، وأطلق آلة حربه المدمرة على النساء والأطفال المحاصرين في رفح، بعد أن منع عنهم المساعدات الإنسانية، ويحاول تهجيرهم مرة أخرى، ربما «إلى القمر»، مثلما قال ذلك بوريل، مستنكراً.
منذ أيام قليلة، يحاول الغرب أن يتراجع خطوة إلى الوراء، محاولاً التبرؤ من الدعم المطلق الذي منحه لتل أبيب في ارتكاب كل انتهاكاتها غير المسبوقة في غزة، ولكن الغرب لم يظهر أي تحرك فعلي لإجبار نتنياهو، وزمرة المتطرفين من حوله، على وقف هذه الإبادة، فنظام العقوبات والمقاطعة والتشهير الدبلوماسي والإعلامي لا وجود له، مثلما حدث مع دول وقادة آخرين. وإلى الآن لم تفرض عقوبة فعلية، أو إجراء يقنع المجتمع الدولي بأن القوى الغربية تنتصر، فعلاً، للقانون الدولي، وهي أهل لثقة الأمم والشعوب. ولكن شيئاً من ذلك غير موجود إطلاقاً، ومثلما أعادت الحرب حقيقة إسرائيل إلى الواجهة مجدداً، فقد كشفت أيضاً زيف الغرب، وتواطئه الصارخ في كل ما جرى، بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي يقف في خندق واحد مع نتنياهو، بات «محبطاً» من حليفه «الذي لا يُنصت لأحد»، كأنه يحكي عن طفل مدلّل، وهو كذلك على الأغلب، فبايدن لا يمانع في اجتياح رفح إذا كانت هناك خطة، وهذه الخطة تتعلق بتهجير اللاجئين الفلسطينيين من دون تحديد وجهة معينة، أي أن الأمر متروك لإسرائيل، رغم أن الكل يعلم أن الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة القادرة على لجم تل أبيب، ولو بوقف تسليحها، ورفع الحماية عنها في مجلس الأمن. ولكنها لا تريد ذلك، وهي تعلم أن هذا الموقف لن يسقط من ذاكرة الشرق الأوسط، وربما يكلفها ثمناً باهظاً في يوم من الأيام.
ربما يتمخض التقريع الأوروبي والأمريكي لتل أبيب عن وعي جديد، خصوصاً أن الرأي العام الغربي، في أغلبيته، بدأ يقتنع بأن إسرائيل لا تستحق كل ذلك التعاطف، وأن الشعب الفلسطيني له مطلق الحق في الدفاع عن نفسه، وإقامة دولته المستقلة.
ولا شك في أن هذا الرأي العام سيفرز نخباً سياسية بقناعات جديدة ورؤى مختلفة، من شأنها أن تعيد النظر في كل البكائيات الإسرائيلية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد يسدد الاجتياح المتوقع لرفح ضربة قاتلة لسمعة تل أبيب التي باتت تثير النفور، لدى الحلفاء قبل الخصوم، وهذا ليس توقعاً، بل المشيئة التاريخية التي تقتضي أن القوة لا تدوم لأي كيان، مهما طال به الزمان، واستهواه الطغيان.
التعليقات