توازياً مع احتمال انجاز تسوية مرحلية في حرب غزة قبل حلول شهر رمضان المبارك بين كل من إسرائيل وحركة "حماس"، تتضمن هدنة قد تصل الى ستة أسابيع، وعملية تبادل للأسرى والمحتجزين لدى الطرفين، ترتفع المخاطر الآتية من الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية في ضوء التغيير الكبير الحاصل على مستوى التفكير السياسي والأمني الإسرائيلي حيال الواقع على الجانب اللبناني للحدود.

فالحديث عن أن جبهة لبنان هي التالية في حرب كبيرة تخوضها إسرائيل بعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) ليس ضرباً من الخيال، ولم يعد جزءاً من السيناريوهات الخيالية البعيدة كل البعد عن المنطق.

قد تكون تجربة انخراط "حزب الله" من تلقاء نفسه في الحرب بفتح جبهة لبنان لخوض حرب "مشاغلة" قد غيرت المعادلة التقليدية التي يعتقد بعض المراقبين أنها ستسود بعد وقف إطلاق النار في قطاع غزة. فتوقف إطلاق النار في غزة لا يعني أن الجبهة اللبنانية ستعود الى قواعد الاشتباك القديمة، أو إلى الواقع السابق لمرحلة ما قبل السابع من أكتوبر. فعملية "طوفان الأقصى" قلبت طريقة التفكير الإسرائيلية ومعها الرأي العام رأساً على عقب.

والحديث عن عودة جبهة لبنان الى الهدنة التي سادت بين نهاية حرب 2006 وحرب غزة لم يعد مغرياً للمستويين السياسي والعسكري الإسرائيليين. من هنا التحول الكبير الذي ينذر بحرب بين إسرائيل و"حزب الله" مباشرة بعد انتهاء العلميات العسكرية الكبيرة في غزة، أي بعد اجتياح مدينة رفح. قد تكون هذه التقديرات هي السبب في تسريب معلومات عبر مواقع الكترونية عربية عن حصول اجتماع يوم الاثنين الفائت بين قائد "فيلق القدس" إسماعيل قآني والأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في بيروت، إذ نُسب إلى مصدر في الحرس الثوري قوله إن طهران أبلغت "حزب الله" موافقتها لكي يرفع من مستوى المواجهة مع إسرائيل لكن بعد أن تبدأ إسرائيل عملية اجتياح مدينة رفح، على أساس أن ثمة قناعة تكونت لدى "حزب الله" والنظام في إيران بأن إسرائيل قررت مهاجمة الحزب بعملية كبيرة مباشرة بعد انتهاء عملية اجتياح رفح، آخر معاقل حركة "حماس" والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة.

ونُسب أيضاً إلى المصدر نفسه قوله إن إيران قررت إنشاء ما يشبه الجسر الجوي والأرضي لتزويد "حزب الله" بكل ما يطلبه من أسلحة ومعدات متطورة يحتاجها لمواجهة إسرائيل في حرب واسعة آتية. ما تقدم من تسريبات يهدف ربما إلى البعث برسالة إلى اسرائيل مفادها أن الخطوط الحمراء لم تعد بعيدة بعدما أطاحت تل أبيب بسلسلة من قواعد الاشتباك منذ ما يقارب خمسة أشهر على الحرب.

وبمعنى آخر يمكن القول إن القراءة الإيرانية لنوايا إسرائيل تغيرت الى حد باتت فيه طهران تخشى على مصير "حزب الله" بعد "حماس". وتتزامن هذه العطيات مع كلام نقلته شبكة "سي أن أن" الأميركية عن مسؤول أميركي كبير يتحدث فيه عن احتمال كبير بنشوب حرب بين إسرائيل و"حزب الله"، مع التأكيد على أن واشنطن تقدر أن أحداً لا يعرف إلى أين ستؤدي حرب كهذه. وإذا ما قاطعنا المعلومات والتسريبات والتصاريح المشار إليها نجد أنها تصب في مكان واحد: احتمال نشوب الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" واقعي، والخطر مرتفع، لا بل مرتفع جداً.