تعد الترجمة واحدة من أهم المهن وأكثرها ممارسة في عمق تاريخ الإنسان. ومحاولة التواصل بين المجتمعات البشرية قديمة جداً، والحاجة لتطوير هذا التواصل على درجة عالية من الأهمية، ولا غرابة، لأنّ في التواصل تنوعاً وقوة وتزايداً للفرص، ويكفي أن التبادل التجاري ونموه يعتمدان بشكل كامل على التواصل والتفاهم.

والحقيقة أن الترجمة لعبت أدواراً حيوية وغاية في الأهمية في التطور الحضاري للإنسان، وأثرها شامل للجوانب الاقتصادية والثقافية والسياسية، وغيرها من المجالات. ودون ممارسة الترجمة، تصبح اللغة حاجزاً، والقدرة على فهم الآخر مشكلة بالغة التعقيد، بل إنّ عدم فهم لغة الآخرين قد ينتج عنه سوء فهم، وأخطاء في تقدير نوايا الآخرين، وهو ما قد يقود في نهاية المطاف للنزاعات، والكثير من الآراء المجحفة الخاطئة.

والحقيقة أن الترجمة تجاوزت الجوانب الفردية، وباتت مهمتها تشمل مختلف جوانب المجتمع، وتتأثر بها الحضارة والتطور البشري، لأنّ الخبرات تنتقل من مجتمع وشعب إلى مجتمع وشعب آخرين، ولا سبيل أو طريقة إلا بالترجمة التي تأخذ على عاتقها نقل المعارف والعلوم والأفكار، فضلاً عن المنجزات الأدبية، والتكنولوجيا، ولا ننسى الأعمال الاستثمارية والتجارية، بل إن تبادل السلع والبضائع يتم تأسيسه على تفاهمات قوية، ولا يمكن تأسيس هذه التفاهمات دون الترجمة التي تقوم بنقل آراء الطرف الأول إلى الطرف الثاني، وهكذا.

الشاعر والروائي الروسي، بوريس باتيرناك، الفائز بجائزة «نوبل»، قال: «الترجمة هي الفن الذي يجعل العالم يحتضن بلطف الآخر»، وبالتالي دفعت الترجمة نحو بناء روابط وصلات قوية بين مختلف الشعوب والمجتمعات، والحال نفسه على مستوى الأفراد.

وكما نشهد في هذا العصر، فإن الترجمة اكتسبت زخماً هائلاً ودفعة قوية عندما دخلت التكنولوجيا والتطورات التقنية، بل وتقنيات الذكاء الاصطناعي، في صناعتها، ونقلها لتصبح متاحة وعامة وشاملة، ويمكن للجميع ترجمة النصوص والأصوات، بشكل آلي ومباشر، والتطور في هذا المجال لا يتوقف.

إن الترجمة ليست علماً وحسب، ولا هي وظيفة للتواصل فقط، بل هي أعم وأشمل، هي تنقل الثقافات، وتسهم في نشر المعرفة والتجربة البشرية وتعميمها، وهي أيضاً تقوم بدور حيوي في نمو الإنسان وتطوره، بل هي المغذي للحضارة بالعقول والمعارف التي تحتاج إليها للاستمرار والتطور.

www.shaimaalmarzooqi.com