الكمالية أو المثالية «Perfectionism» هي سعينا نحو تحقيق الكمال في كل ما نقوم به، سواء في العمل، أو الدراسة، أو الفن، أو حتى في العلاقات الشخصية. يركز الأشخاص المثاليون على الإنجازات الخالية من العيوب ويعتبرون أي خطأ أو فشل دليلاً صارخاً على عدم الكفاءة الشخصية.
من عيوبها أنها تولد ضغطاً نفسياً هائلاً على الإنسان. فتدفعه باتجاه السعي الحثيث نحو الكمال، بغض النظر عن الوقت والجهد المهدرين. والمصاب بداء الكمال يتجنب المخاطرة، ولذلك يحرم نفسه من فرص النمو والتعلم. وكثير مما نتعلمه ويغرس في أعماقنا ينتج عن التجربة والخطأ. على سبيل المثال، إذا ما أخفق أحد في نشاط تجاري، حتماً ستقوده هذه التجربة إلى خيارات أفضل والاستفادة العميقة من هذا الدرس.
ما أن تدب حمى الكمالية في نفس الفرد حتى يرتبك، ويتردد، ويؤجل ما لا يحتمل التأجيل لأنه لا يريد أن يطاله شيء من النقد. ولذلك قالت إحدى ضيفات الإعلامية الأمريكية أوبرا وينفري إن الكمالية «طريقة تفكير تشير إلى أن طريقة حياتي وعملي مثالية وكاملة لأستطيع تجنب أو تقليل النقد والسخرية واللوم». وتصف المثالي بأنه كمن «يحمل درعاً تزن 20 طناً ليحتمي بها من شرور الناس وانتقاداتها.. غير أن هذه الدرع الضخمة تحجب الآخرين عن رؤيته». والفارق بين السعي نحو التميز وبين الكمالية أن الأخيرة لا تكترث برغبتنا بقدر ما هي متعلقة بماذا سيقوله الناس عنا. وشتان بين الاثنين، على حد وصفها. كما أنك «لن تتمكن من القيام بعمل شجاع في ظل خشيتك من ماذا سيقول الناس عنك».
من الحلول للتعامل مع المثالية الزائدة، تحديد أهداف واقعية، فكلما كانت تعجيزية صار تقبل نتائجها أصعب على النفس البشرية، فنعيش تحت وطأة التقصير. وعندما يستشعر المرء بأن قصوره كان فرصة للتعلم ينزاح ما تبقى من هم الكمالية.
عندما نتصدى لهواجس الكمال، فإننا في الواقع نمارس الرحمة بالنفس، فكيف نكون رحماء مع الآخرين ونصر على القسوة غير المبررة مع ذواتنا. أذكر أن أحد رجال الأعمال، قد صارحني بأنه من فرط كماليته صار لا يكتب رسائل البريد الإلكتروني الخاصة به إطلاقاً ويترك أمره لمساعدته لأنه لا يقبل سوى بالكمال في كل كلمة وعبارة. وهو يتعمد ألا يقرأ ما تكتبه تلك المعاونة حتى لا يغضب عندما يضيع منها خلل هنا أو هناك.
وذلك الأمر يجرنا إلى مسألة مهمة وهي كيف نقيم نتائج أعمالنا. فلا يعقل مثلاً أن يبالغ صاحب العمل في تقديم عصارة تفكيره وجهده ليسعد العميل بشيء لم يطلبه. فبعض العملاء يكون راضياً أصلاً وممتناً إلا أن فرط الكمالية يجعل صاحب «البزنس» يتحمس ويخبر العميل بأنه غير راضٍ عن ما هو راض عنه العميل! هنا ينتقل الشك للزبون ويصدق ذلك التقييم، وتتعقد المسألة. ولذلك كما من الحكمة وضع مؤشرات أداء أو جودة يسير عليها فريق العمل. وهذا سر الراحة الذي ينتابنا عند رؤية علامة الجودة تزين المنتجات التي نقتنيها.
وهناك فارق بين الرغبة في إتمام العمل بأفضل صورة وبين هواجس الكمالية. فالله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه. والإتقان لا يعني الكمالية، وإنما بذل قصارى جهدنا في تحسين العمل.
ومن الحلول الأخرى للتعامل مع داء الكمالية، مبدأ قبول 80 في المئة من الدقة أو الكمال المرسوم في أذهاننا. لكن لا تخبر به فريق عملك فيتكاسلوا. شخصياً أسلم المقال وأشعر بأنه ينقصه فقرة أو فقرتين مهمتين فأتعمد تسليمه حتى لا أقع في فخ الكمالية. هي مجرد محاولة منا جميعاً على توطين النفس على القبول بشيء من القصور، لأن الكمال لله وحده.
التعليقات