لو كان "الثنائي الشيعي" يريد فعلا تسهيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لكان لبنان خرج منذ زمن بعيد من دائرة الفراغ الرئاسي الجهنمي. وما يجب ان يعرفه اللبنانيون في الوقت الذي يتم فيه تسويق معلومات مغلوطة عن تحول في موقف احد اركان الثنائي لجهة الاستعداد للتخلي عن مرشح "الثنائي الشيعي" سليمان فرنجية للذهاب نحو ترشيح ثالث لإنهاء ازمة الفراغ بتسوية معقولة مع القوى المعارضة لوصول رئيس ينتمي الى محور "الممانعة"، لا توجد أي مؤشرات تفيد باستعداد "حزب الله" في خضم حرب "المشاغلة" التي تورط فيها للتخلي عن سياسة الفراغ الرئاسي والحكومي قبل ان ينجلي غبار حربي غزة ولبنان.

لكن ثمة مستجدا في مقاربة المحور العربي ومعه المحور الدولي لملف الرئاسة، بما يتجاوز حصرية اللجنة الخماسية التي يمكن لها ان تتحرك في أي وقت قريب. فالحرب التي تورط فيها "حزب الله" لم تحسن وضعيته السياسية في الداخل. بل على العكس من ذلك، فقد تضرر "حزب الله" كثيرا في علاقاته في الداخل، بعدما اظهر قلة نضج سياسي مع القرار المتفرد الذي اتخذه رغم انف الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، بالانخراط في حرب "مشاغلة" و "مساندة" انتهت اليوم الى حرب استنزاف ليس للإسرائيلي، بمقدار ما تبين انها باتت تستنزف "حزب الله" وبيئته الحاضنة، ومعهما سائر البيئات والمناطق الأخرى البعيدة عن جبهة المواجهات. وقد أظهرت هذه التجربة المتهورة حجم المعارضة العميقة لمشروع "حزب الله" ولسياساته وسلوكياته في الداخل والخارج في آن واحد. اكثر من ذلك لم تستطع قوى سياسية او شخصيات مسؤولة كرئيس حكومة تصريف الاعمال، ومعه الحكومة العرجاء ان تؤمن غطاء وطنيا لقرار مناقض لفكرة الدولة، وللقانون والدستور. فتورط الحزب المذكور في حربه مع إسرائيل، واصر على استتباع الحكومة والمسؤولين فيها، وتحويلهم الى واجهات اقل من باهتة لمشروعه. لقد بالغ "حزب الله" في استغلال سطوته على شركائه وتابعيه من الطاقم الحاكم، الى حد الغى فيه فاعلية هؤلاء، والقليل من الصدقية التي كانوا يتمتعون بها قبل ان يصبحوا اقل من صندوق بريد لا حول له ولا قوة. ومع تهشيمه فاعلية هؤلاء، ألحق بمرشحه اضرارا بالغة. وهنا يطرح سؤال بسيط، ماذا لو كان مرشح "حزب الله" في قصر بعبدا؟ اين كان لبنان ليكون؟

لقد اثبت تورط "حزب الله" في حربه العبثية (والخطرة الى ان تنتهي كليا) ان تنصيب رئيس تابع له سيكون كارثة للبلاد اكثر من الفراغ نفسه. واثبتت تجربة التورط في الحرب ان موقف المعارضة سليم الى ابعد الحدود. وان موقف الحد الأدنى يقضي بالتوافق على رئيس تسوية مستقل عن "حزب الله" دون ان يكون معاديا له. اما فكرة ان يكون الرئيس "حاميا لظهر ما يسمى مقاومة" فقد طواها الزمن والتجربة والتطورات الأخيرة. ولم يعد جائزا القبول بالتنازل امام سياسة الفرض والاكراه التي ينتهجها الحزب المذكور. حان الوقت لبلورة موقف وطني رافض للحرب العبثية. حان الوقت للتضامن مع "لبنان" آخر مختلف عن لبنان "حزب الله"!

اما في يتعلق بالاستحقاق الرئاسي فلا لعودة "حزب الله" الى قصر بعبدا.