إن المراقب والمتابع لجهود البنوك السعودية خلال شهر رمضان المبارك وغيره من شهور العام، سواء عبر القنوات التلفزيونية أو الإذاعية أو غيرها من الوسائل الإعلامية وغير الإعلامية، كشاشات أجهزة الصرف الآلي وحملات التوعية التي تقوم بها البنوك وغيرها من الجهود، يدرك تماماً حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها، وعلى عاتق جميع المؤسسات المالية الأخرى في المملكة العربية السعودية المرتبطة بمكافحة الاحتيال المالي والتنبيه إلى سبل الوقاية منها.
كما أن للجهات الرسمية في المملكة التي تُشرف على المؤسسات المصرفية والمالية، كالبنك المركزي السعودي (ساما) وهيئة السوق المالية وغيرها من الجهات واللجان، كاللجنة الدائمة للتوعية والتحذير من نشاط المتاجرة بالأوراق المالية في سوق الأجنبية "الفوركس" غير المرخص، والمركز الوطني الإرشادي للأمن السيبراني وغيرهم، جهوداً عظيمة في تحذير عامة الناس بما في ذلك المؤسسات التجارية من الوقوع فريسة وضحية للاحتيال المالي والمصرفي سواء في داخل المملكة أو في خارجها، وبالذات في ظل تطور التقنيات والوسائل المستخدمة من قبل المحتالين، كالهندسة الاجتماعية والذكاء الاصطناعي وغيرها من تقنيات العصر الحديثة.
فعلى سبيل المثال قد أصدرت "ساما" في وقتٍ سابق دليل لمكافحة الاحتيال المالي، كما أنها ألزمت كافة البنوك والمصارف التجارية العاملة بالمملكة، بتأسيس وحدة إدارية لمكافحة الاحتيال المالي، بحيث تتولى بشكل عام مكافحة ومعالجة جميع المواضيع التي تندرج وتتعلق بالاحتيال المالي، حيث من أبرز مهامها: اقتراح إستراتيجية البنك لمكافحة الاحتيال المالي وتقييمها بشكل دوري، واقتراح السياسات والأدلة وإجراءات العمل المتعلقة بمكافحة الاحتيال المالي ومهام الوحدة بما يكفل كفاءتها، إضافة إلى الاستفادة من التوصيات والتحديثات الصادرة عن المنظمات الدولية وأفضل الممارسات ذات العلاقة بمكافحة الاحتيال المالي.
كما وَدشنت "ساما" في وقتٍ سابق مؤخرا، مركز للعمليات المشتركة للبنوك السعودية يُعنى بمتابعة حالات الاحتيال المالي ورصدها التي قد يتعرّض لها عملاء البنوك تحت سقف واحد في غرفة مُشتركة بهدف تحسين تجربة العملاء ومعالجة حالات الاحتيال المالي المؤكّدة.
وعلى جانب آخر فقد حذرت هيئة السوق المالية عامة أفراد المجتمع والمستثمرين من التعامل مع الجهات المالية والاستثمارية غير المرخصة عبر دليل أصدرته لحماية المستثمرين، بحيث لا يكونون رقماً إضافياً لضحايا المحتالين باسم الاستثمار الناجح والربح السريع ومصادر الدخل الإضافي دون عناء.
وقد حذرت الهيئة من مغبة تسليم الأموال والمدخرات إلى أي شخص أو مؤسسة أو شركة غير مرخص لهم من الهيئة، محذرة أيضا من تسليم معلومات المحفظة الاستثمارية والأرقام السرية الخاصة لأي شخص أو جهة تَدعي الخبرة والدراية في الاستثمار.
وقد ذكرت في مقال سابق عما كشفت عنه دراسة علمية أعدتها جامعة "نايف العربية للعلوم الأمنية" بالتعاون مع منظمة الشرطة الجنائية الدولية الانتربول عن حجم جرائم الاحتيال المالي الموجه حاليًا للدول العربية عبر الإنترنت، والتي ذكرت بأن هناك خمسة أنواع من جرائم الاحتيال المالي الأكثر شيوعًا عربيًا استخدم فيها 24 أسلوبًا إجراميًّا للوصول للضحايا.
دون أن تلك الجهود المبذولة من البنوك السعودية والجهات الرسمية في الدولة، ستسهم في الرفع من الوعي المالي بعمليات الاحتيال المالي، ولكن سيظل الانتباه والحذر مطلوب من كافة عملاء المؤسسات المالية سواء البنكية أو الاستثمارية، بعدم الانسياق بحسن نية وراء كل من يزعم ويروج ويسوق له المحتالون بطرق وأساليب شتى للإيقاع بضحاياهم في شباك الاحتيال، بحجج واهية عديدة لا تستند لا للمنطق ولا للعقل الراجح، وبالذات في مجال الاستثمارات الوهمية التي يسوق لها ضعاف النفوس من الأفراد والجهات المالية غير المرخصة بمضاعفة الأرباح والعوائد خلال فترات زمنية قصيرة.
فبالرغم من جهود التوعية المشكورة التي تقوم بها الجهات المالية الرسمية والجهات المرخصة بالمملكة، سيظل عميل الجهات المالية عموماً هو خط الدفاع الأول للتصدي لعمليات الاحتيال المالي ومكافحتها بشتى أنواعها وأساليبها المتبعة، بعدم إفشاء البيانات البنكية والمعلومات الشخصية، بما في ذلك الأرقام السرية، وبالذات الأرقام السرية التي تأتي من البنك للمرة الواحدة One Time Password للآخرين.
أختم مقالي بالإشادة أيضاً بجهود هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات بتخصيصها لرقماً موحداً للإبلاغ عن رسائل الاحتيال عبر الرقم” 330330 “ودعوتها للمستفيدين من خدمات الاتصالات المتنقلة بعدم الاستجابة للرسائل المجهولة الواردة عبر الرسائل النصية القصيرة “SMS “، التي تدعي أنها من أحد البنوك المحلية أو التي تبلغ المستخدم بفوزه بجائزة مالية، وقد حثت على الإبلاغ عن تلك الرسائل عبر الخدمة المجانية بإعادة إرسال الرسالة النصية الواردة للمستخدم إلى الرقم المذكور.
التعليقات