لن يتم تطبيق القرار 2728. فمع أن القرار حظي بموافقة 14 عضواً من أصل 15، فيما امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت مفسحة المجال لصدوره، ومع أنه يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان، توازياً مع إطلاق فوري لجميع الرهائن، فقد ظلت البنود أشبه بمناشدات عامة، ولم تذهب أبعد من العناوين.
إذاً نحن أمام القرار الأممي الرقم 2728 المتعلق بحرب غزة الذي يشكل خطوة إلى الأمام دون أن يشكل اختراقاً حاسماً يؤدي حكماً إلى إنهاء الحرب أو إطلاق سراح الرهائن. والدعوة إلى وقف إطلاق النار تتحدث عن شهر رمضان الذي انقضى أكثر من نصفه من دون أن تظهر أي ملامح تشير الى اقتراب نهاية الحرب.
الصحيح أن شكل الحرب تغير. لم تعد غزة تتعرض للغارات الكبيرة والمدمرة التي تعرضت لها في الأشهر الأولى من الحرب. والعملية البرية الحالية لم تعد بحجم الاجتياح البري في الأشهر الأربعة الأولى في المحافظات الشمالية والوسطى. هذا في وقت باتت الحرب أشبه بسلسلة عمليات برية صغيرة منتشرة في جميع المناطق. وعملية مستشفى الشفاء الأخيرة التي نفذتها قبل أيام قوات كوماندوس إسرائيلية تدل إلى أن إسرائيل سحبت قسماً كبيراً من ألوية الاحتياط. وباتت حرب غزة بصيغتها الراهنة هي حرب مطاردات واقتحامات متوسطة الحجم، وذلك بعدما حولت تل أبيب قطاع غزة إلى أرض طاردة للحياة بكل ما للكلمة من معنى.
من هنا وبصرف النظر عن الهوة التي بدأت تكبر بين إدارة الرئيس جو بايدن وحكومة بنيامين نتنياهو بشأن الحرب في غزة، ولا سيما مشروع اجتياح مدينة رفح، فإن الحرب مستمرة بوتائر مختلفة ولا تختلف بدراماتيكيتها عن الحرب التدميرية الشاملة التي شنتها إسرائيل في الأشهر الأربعة الأولى. فبعد مشاهد أشلاء مئات المدنيين بين الركام، تحل اليوم مشاهد الجوعى الهائمين على وجوههم على شواطئ غزة في انتظار التقاط المساعدات الهابطة من السماء.
ثمة طرفان يقفان خلف إفشال القرار 2728. إسرائيل التي تعتبر أن وقفاً مطولاً للنار سيؤدي إلى إنهاء الحرب دون تحقيق أهداف حيوية، أولها تصفية الجيب الأخير في رفح، ووضع اليد على القيادة العسكرية والسياسية من الصف الأول، وفي المقدمة يحيى السنوار ومحمد الضيف، وإنهاء حكم حركة "حماس" نهائياً في قطاع غزة. ولا ننسى بالطبع الهدف الأيديولوجي الدائم الرامي إلى تصفية الحقوق الفلسطينية مهما تقلصت المطالب في كل مكان من غزة إلى الضفة الغربية.
على الضفة الأخرى حركة "حماس" لا تريد تسليم الرهائن إلا وفق شروط ثلاثة: وقف شامل ونهائي لإطلاق النار (إنهاء الحرب)، انسحاب كامل من القطاع، وإعادة النازحين الى مناطقهم. وثمة مراقبون يعتقدون أن "حماس" ومن خلفها قوى محور "وحدة الساحات" بقيادة إيران تراهن على استمرار الحرب، وارتفاع تكلفتها على إسرائيل في العالم، وتوسع الهوة مع واشنطن. والأهم في معركة الرأي العام الدولي أن ترتكب إسرائيل في معركتها الأخيرة في مدينة رفح مزيداً من الضربات التي تؤدي إلى سقوط أعداد كبيرة من المدنيين مثلما كانت الحال في الأشهر الأولى من الحرب، مع فارق واحد، أن ما تقبّله العالم في الأشهر الأولى لن يتقبّله اليوم، ما سيؤدي إلى تدخل عالمي واسع ضد إسرائيل يوقف الحرب قبل أن تنجز المرحلة الأخيرة منها، فتنجو رفح وإن شبه مدمرة. ومعها من المحتمل جداً أن تنجو قيادة "حماس" في ربع الساعة الأخير.
لا نتوقع أن يطبق القرار 2728. لكنه خطوة إيجابية وإن غير كافية. إنما إنهاء الحرب ليس قريباً. والعين على "الساحات" الأخرى. أولاها لبنان.
التعليقات