السؤال المطروح حالياً في الأوساط الفرنسية المسؤولة من رئيس الجمهورية الى الحكومة والنواب والمعارضة، هو كيف يمكن لفرنسا أن تعود إلى مستوى عجز مالي تحت سقف 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2027.

تعاني فرنسا اليوم من عجز نسبته 5،5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وفي هذا الصدد، اعتبرت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، أنّه من غير المرجح أن تحقق فرنسا هدفها خفض العجز الى ما دون 3 في المئة من الناتج في 2027، وهو السقف المتفق عليه أوروبياً، ما يناقض التعهدات التي أعلنها وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير بالالتزام به.

انّ مستوى العجز المالي لسنة 2023 يعني أنّه زاد في العام الماضي 18 مليار يورو. وقد قرّرت حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون في اول خطوة للحدّ من الإنفاق في منتصف شباط (فبراير) الماضي، تقليص مصاريف الدولة 10 مليارات يورو. لكن فريق وزير الاقتصاد والموازنة اعتبر أنّه ينبغي تخفيض المزيد من المصاريف، واعلن عن زيادة خفضها لتصل إلى 20 مليار يورو على مدى سنتين.

لكن معهد "ريكسيكود" رأى في تقرير، أنّه كان على الحكومة أن تخفّض إنفاقها العام الماضي 55 مليار يورو حتى السنة 2027، أي لنهاية العهد الثاني لماكرون، وذلك لضمان الوصول الى سقف 3 في المئة للعجز من إجمالي الناتج المحلي.

رئيس الحكومة الفرنسية غبريال آتال أكّد أنّ هناك خطين أحمرين أمام معالجة الوضع، أولهما رفضه لزيادة الضرائب على الطبقات الوسطى، وأيضاً عدم المسّ بما يسمح بتمويل عمل الفرنسيين. لكنه لم يخض في تفاصيل أكثر، ومنها كيف ستوفّر فرنسا مصاريف الدولة لتصحيح هذا العجز الكبير. وفي غالب الظن كما قال آتال، سيتمّ إصلاح قانون تعويض البطالة، والاقتراح المطروح هو تخفيض مدته.

وتُصنّف فرنسا حالياً من بين الدول التي لديها عجز كبير في الاتحاد الأوروبي، ومن الأعضاء، تأتي إيطاليا وليتوانيا وبولندا وبلغاريا وهنغاريا وسلوفاكيا في مراتب أسوأ منها.

ارتفاع مستوى العجز الفرنسي يُضعف موقع فرنسا ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا، ويُضعف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، إذ انّه فشل في إدارة المالية العامة والالتزام بأهداف الاتحاد الأوروبي وشروطه التي تُلزم عدم تجاوز مستوى العجز في الموازنة 3،2 في المئة.

العجز المالي في فرنسا يطرح حالياً السؤال حول استراتيجية الرئيس الفرنسي التي كان وضعها لتصحيح المالية العامة ودفع النمو. ومن المتوقع أن تصنّف وكالات التصنيف الائتماني، "موديز وفيتش"، في 26 نيسان (أبريل) المقبل، و"ستاندرد آند بورز" في 23 أيار (مايو)، فرنسا في درجات ضعيفة، وأبرز المخاوف هي أن تخفض علامة تصنيف فرنسا لأنّ ذلك يزيد من كلفة الدين الفرنسي.

صرفت فرنسا في السنة الماضية مبلغ 38،6 مليار يورو لتسديد فوائد دينها، وبحسب الحكومة فمن المتوقع أن يصل هذا المبلغ الى 74 مليار يورو في 2027 وهي سنة انتهاء رئاسة ماكرون.

في المقابل، نجحت إسبانيا في إبقاء عجزها عام 2023 بمستوى 3،7 في المئة، وحققت مستوى نمو كان الأفضل في الاتحاد الأوروبي. ووفق رئيس الاقتصاديين في اتحاد المصارف الخاصة باتريس غوتري، فإنّ إيطاليا تعاني عجزاً مالياً أكبر من العجز الفرنسي بنسبة 7 في المئة، ومديونيتها مع مديونية اليونان هما أعلى من المستوى الفرنسي. أما المانيا فهي الاقتصاد الأول في الاتحاد الأوروبي مع عجز محدود، ولكن النمو فيها ضعيف أيضاً.

لا شك في أنّ تراجع الوضع الاقتصادي في فرنسا ومشكلة ارتفاع دينها العام يقيّدان تحركاتها ومساهمتها في حلّ الأزمات على الصعيدين الأوروبي والدولي. فمثلاً، هناك شكاوى من أوكرانيا حول النقص في الدعم الفرنسي. فالقوات العسكرية الفرنسية تعاني من نقص كبير في المعدات التي يمكن أن تشتريها من الخارج، ولكن تخفيض المصاريف قد ينعكس اقتصادياً على مختلف القطاعات، من الدفاع والصحة إلى الخارجية والتعليم والثقافة والزراعة.

إنّ الدعم الفرنسي على المستوى الدولي في الأزمات قد يتمّ تخفيضه بسبب مستوى عجز مرتفع ينبغي الحدّ منه. فالسنوات الباقية لعهد الرئيس ماكرون ستكون بالغة الصعوبة، في ظل تراجع وضع الاقتصاد الثاني في الاتحاد الأوروبي.