إلى لحظة كتابة هذا المقال صباح يوم أمس (الثلاثاء)، وبعد متابعة كثير من وسائل الإعلام بعد قصف إسرائيل مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، وقتل عدد من قادة وعناصر الحرس الثوري الإيراني، كانت المملكة الدولة الأولى، وربما الوحيدة، التي أدانت تلك العملية عبر بيان رسمي لوزارة الخارجية جاء فيه: «تُعرب وزارة الخارجية عن إدانة المملكة العربية السعودية لاستهداف مبنى القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، معبرةً عن رفض المملكة القاطع استهداف المنشآت الدبلوماسية لأي مبررٍ كان، وتحت أي ذريعة، والذي يعد انتهاكاً للقوانين الدبلوماسية الدولية وقواعد الحصانة الدبلوماسية».

حسناً، أليس الحرس الثوري الإيراني هو من يمارس أعمال التدخل في بعض الدول العربية؟ بلى إنه كذلك. وأليس ما زالت بيننا وبين إيران إشكالات في بعض الملفات، وأهمها التدخلات في شؤون الدول الأخرى، واحترام السيادة الوطنية، ومسألة الأمن الإقليمي، رغم عودة العلاقات والعمل على إزالة العوائق في طريق سيرها إلى الوضع الطبيعي؟ بلى، الأمر كذلك أيضاً، ولكن رغم كل ذلك سارعت المملكة إلى إصدار بيان إدانتها لقصف القنصلية الإيرانية، فكيف نقرأ ذلك؟

المملكة دولة تلتزم فعلياً وتماماً بالقوانين والمواثيق والأعراف الدولية، بغض النظر عن وجود خلافات أو مواقف مع أي طرف بشأن بعض القضايا والملفات، وترفض انتهاكها تحت أي مبرر أو ذريعة، وهذا مكوّن أساسي وثابت في سياستها. كان بإمكان المملكة أن تجنح إلى الصمت، لكنها لم تفعل ذلك؛ لأنه قد يمكن اعتباره موافقة أو تسويغاً ضمنياً لخرق القوانين والقواعد الدبلوماسية، والسكوت عن انتهاك كهذا، مهما كانت الظروف، يكرس لمزيد من الانتهاكات والفوضى بتجاهل القوانين والاستخفاف بها.

المملكة تتصرف كدولة مسؤولة وعضو فاعل في المجتمع الدولي، تحترم مواثيقه وقوانينه، وتعلن مواقفها بوضوح انطلاقاً من هذا الاحترام والالتزام، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى، وهكذا تفعل الدول المحترمة.