سارعت الولايات المتحدة إلى نفي مسؤوليتها عن الهجوم الإسرائيلي الذي أسفر عن مقتل قادة ومسؤولين من «الحرس الثوري» الإيراني في دمشق مطلع الأسبوع الحالي، لتذكرنا بمسارعة ونفي مماثليْن من الجهة الإيرانية عن قيام حركة «حماس» بعملية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول الماضي.
وفي حين يبدو أنّ الهجوم الإسرائيلي أربك إيران، يبقى الانطباع الغالب بأنّ دون الرد وإشباع الرغبة الإيرانية في ردع إسرائيل عن شن مزيد من تلك الهجمات، والانتقام للكرامة المهدورة واستسهال التنكيل بهيبة رأس محور الممانعة، مصلحة قاضية بتجنّب الحرب الشاملة والمباشرة مع إسرائيل، والاستمرار بمناوشات محدودة وغير حاسمة لأذرع الممانعة.
ولعل «تقاطع المصالح» بين الدولتين «اللدودتين» يفرض مثل هذه المعادلة مستنداً إلى توازن مدروس للصراعات على ضفتيْ الصراع الأميركي والإيراني، ولعقوبات لا تفسد لود مكتوم قضية في ملفات مصيرية لدول الشرق الأوسط، وتحديداً تلك التي تفتح الطريق على البحر المتوسط. وغالباً ما يسود هذا التقاطع في الملفات خبثٌ، إما متبادل بين الطرفين، وإما موحّد بينهما باتجاه أطراف أخرى، بما يناسب والاستراتيجيات المتعلقة بالمنطقة والمصالح الأميركية فيها. حينها لا بد من التوقف عند الخدمات التي يقدمها كل طرف منهما ليخدم أجندته وأجندة الطرف الآخر.
فهذا «الخبث الودود واللدود» بدأ مع توكيل الإدارة الأميركية فرنسا بإيواء الإمام الخميني ورعاية ثورته التي أطلقها من قلب باريس، وأسفرت عن سقوط الشاه محمد رضا بهلوي وقيام جمهورية ولاية الفقيه وتصدير الثورة والعمل على تغيير خريطة المنطقة وتغذية الصراع بين السنة والشيعة وتهديد الأمن العربي، والخليجي تحديداً، وكذلك التعاون للقضاء على حكم صدام حسين، وصولاً إلى ما نحن فيه من سيطرة شاملة وتدميرية لإيران على العراق واليمن وسوريا ولبنان. وعلى الرغم من رفعها شعار «القضاء على إسرائيل»، أعلنت إيران انتصارها الأكبر بعد عقدها اتفاقاً تاريخياً مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية بشأن ملفها النووي، من دون فرض شروط عليها للجم تدخلها وزعزعتها الاستقرار والأمن في الدول العربية.
واليوم، وعلى الرغم من تخلي إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب عن الاتفاق النووي، إلا أنّ السعي الإيراني لإعادة إحياء الاتفاق لا يزال مستمراً، ودائما في إطار «الخبث الودود واللدود»، والذي ينعكس في مقام من مقاماته بالاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، بوساطة أميركية ومباركة إيرانية قضت بالرضا والقبول وعظائم الأمور التي دفع لبنان ثمنها من حقوقه واقتصاده.
وقمّة الخبث بعد الضربة الإسرائيلية لقادة الحرس الثوري لا تقتصر على نفي المعرفة المسبقة بها ورفع مسؤولية الإدارة الأميركية، بل تُستكمل بما نقل عن الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال اتصال هاتفي مع رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بوقف إطلاق نار فوري، بهدف «تحسين الوضع الإنساني في غزة، ومنح الوفد الإسرائيلي المفاوض صلاحيات لإبرام صفقة من دون تأخير»، إضافة إلى «محاسبة المسؤولين عن مقتل عمال الإغاثة» في دير البلح»، وبحسب موقع «أكسيوس».
أمّا قمّة القمّة فهي في تسريب ما ورد في اجتماع مع أفراد الجالية المسلمة في البيت الأبيض، لجهة تعبير بايدن عن فهمه لرفض زوجته لهذه السياسة، وأكد «أنها تحثه أيضاً على وقف الحرب في غزة. وعن أن «السيدة الأولى كانت ملتزمة بقوة في التأكيد على ذلك».
ولأن «محاسن الصدف» ليست ما يقرر السياسات المتبعة في العلاقات بين الدول، وتحديداً بين الولايات المتحدة وإيران، تصبح مفهومة مثل هذه التصريحات التي من شأنها أن تخفف التوتر وتستوعب ردود الفعل، فالأولوية تبقى لتقاطع مصالحهما الكثيرة والمتداخلة في المنطقة، وخصوصاً بوجود إسرائيل التي تقدم للطرفين سبباً جوهرياً ليتابعا مسيرة «الخبث الودود واللدود».
- آخر تحديث :
التعليقات