عندما ضرب فيروس كورونا المستجد شتى بقاع المعمورة، وجدت شركة الأدوية أسترازينيكا «AstraZeneca» طريقاً نحو إخراج العالم من عنق الزجاجة. فبحكم تواجدها في الصين علمت بتفاصيل الفيروس وبدأت قيادتها بتطبيق «القيادة التكيفية» «Adaptive»Leadership.
تقوم فكرة القيادة التكيفية على نموذج طوره عالمان من جامعة هارفارد وهما جرونالد هايفتز، ومارتي لينسكي، والذي «يتوقع» الاحتياجات المستقبلية والخيارات المحتملة والاتجاهات العامة، و«يوضحها» عبر تكوين فهم مشترك لجميع الأطراف ودعم القرارات المتخذة. كما يقتضي نموذج «التكيف» مع الأحداث المتغيرة والمتسارعة والأزمات، بطريقة التعلم المستمر وتعديل ما يلزم من أسلوبنا في الاستجابة للتحديات التي تعترضنا بدلاً من أن «نبكي على اللبن المسكوب». ولذلك قال آينشتاين «الغباء هو فعل الشيء نفسه مرتين بالأسلوب والخطوات نفسها ثم انتظار نتائج مختلفة».
ويرتكز النموذج على الخيمة في الأزمات العاصفة، وهو «تحمل المسؤولية» فمن دونها يصعب أن يتحرك أحد نحو اتخاذ قرار جريء يتطلبه الموقف. فلا قرار مع تملص من المسؤولية. ولذلك من ركائز القيادة التكيفية توخي أقصى درجات الشفافية في صنع القرار، وتقبل الآراء النقدية مهما كانت جارحة في سبيل أن تعبر السفينة إلى بر الأمان.
وهذا ما فعلته شركة أسترازينيكا للأدوية التي «توقعت» قبل مئات الشركات المنافسة ما هو قادم، فعدلت لقاحها بسرعة قياسية لكي يتصدى لفيروس العصر الذي شل مطارات الكرة الأرضية وطرقها ومدارسها ووزاراتها. كانت أشبه بالحرب ضد خصم لا يُرى بالعين المجردة. لا يفهم التعامل معه سوى الأطباء والقياديين الذين يدركون طبيعة المعركة ومتطلبات الطب لحماية أرواح ملايين البشر. ومما مكن الشركة من تجاوز المرحلة أنها «أوضحت» لأصحاب المصلحة فيها وخارجها أهمية الإجراءات الجديدة والتكاليف الباهظة المطلوبة. ولذلك لا يتصدى للأزمات سوى قائد جَسُور يُقدِم على قرارات جريئة تنتشلنا من مصير مجهول.
كما «تكيفت» الشركة مع الأزمة فاضطرت إلى بناء شركات جديدة لتلبية احتياجات «كوفيد 19» لاستعجال تطوير اللقاح وإجراء الفحوصات اللازمة. كما أنها من منطلق تحمل المسؤولية أبرمت «العديد من الاتفاقيات لإنتاج أي لقاح يُثبِت نجاحه وتوزيعه على نطاق واسع دون السعي لتحقيق أي أرباح خلال فترة تفشي الجائحة» بحسب تقرير هارفارد «HBR».
وربما لا يعلم البعض أن علم القيادة يضم العديد من النظريات والممارسات. بعضها عام وبعضها الآخر خاص بمواقف معينة. وقد ثبتت فعالية التصرف حسب الموقف، لأنه أدعى للتأثير المطلوب. أما أولئك الذين يتشبثون بأسلوب قيادي واحد أو طريقة عقيمة فإنهم ينكشفون أمام الجميع في الأزمات. فالأسلوب الصدامي مثلاً، أو التلاسني أو استمراء توجيه أصابع الاتهام على من حولنا، يؤدي إلى عواقب وخيمة في الأزمات.
فمن طبيعة الأزمة، أنها تكسر الحواجز التقليدية، وتكشف قدراتنا الكامنة. فبعض القياديين يصعب عليه أن يتكيف مع أي تغيير مفاجئ أو ينفر من العمل تحت وطأة ضغوطات العمل. وما أكثر القياديين الذين خسروا وظائفهم في أحلك الظروف لأنهم افتقدوا لشجاعة المواجهة والأهم التكيف مع الحدث.
بعض القياديين كان يتمسك بمنتجات أو خدمات أو أفرع من منطلق عاطفي، ولا يستوعب خطورة الرياح العاصفة التي ستقتلع كيانه. هؤلاء الذين يصدم بهم من حولهم لأنهم كان جيدين في أوقات الرخاء وتوافر الوقت والاستقرار، غير أنهم ما أن هبت عواصف الأزمة حتى لاذوا بالصمت أو تقوقعوا في برج عاجي.
التكيف القيادي يتطلب مرونة في التعامل ومقتضيات الموقف حتى يمكن التغلب على الصعاب، وما أكثرها في عالم متغير.
التعليقات