كان من أكثر الأدباء الأمريكيين الذين أحببت كتاباتهم، وإحساسهم بما حولهم، ونظرتهم للعالم، والطريقة التي يعبرون بها عن كل ذلك، إنه الكاتب والأديب الأمريكي بول أوستر الذي غادرنا مساء الثلاثاء في ساعة متأخرة من الليل. بالنسبة للأدب الأمريكي الحديث فإنني لم أتمكن من بناء علاقة انجذاب بيني وبينه، فهو لا يشبه ذائقتي ولا يعبر عن القضايا التي تؤرق العالم الذي أنتمي إليه، وقد يكون السبب في اعتياد ذائقتنا نحن أبناء المشرق العربي على الأدب اللاتيني والأوروبي أكثر من أي أدب آخر.

يقترب بول أوستر في أساليبه السردية ولغته من الأدب الأوروبي، ولقد أحببته جداً في كتابه (عزلة صاخبة جداً) ولكنني لم أستطع تجاوز كتابته المؤثرة في (اختراع العزلة) هذا الكتاب الذي استدعى بعد نشره خلافات حادة مع عائلته بعد أن اتهمته بفضح أسرار لا يجوز المساس بها.

والحقيقة أن هذا الكتاب واحد من الكتب المفتاحية التي تقود لتفسير أعمال أوستر الروائية والشعرية، وهو كتاب مذكرات حاول فيه أن يواجه فكرة رحيل والده، ذلك الأب الغائب على الدوام، والذي لم يعرفه كما ينبغي، فحاول اختراع حياة موازية له استدرجها من ذاكرته ومن مجموعة من المقتطفات والذكريات والمواقف!

يقول أوستر: «أنا لا أعرف لماذا أفعل ما أفعله، لو أنني أعرف، ما كنتُ على الأرجح أشعر بالحاجة لفعله. إنني أتحدث عن الكتابة، وبالتحديد، الكتابة بوصفها ناقلة لحكاية القصص، قصص خياليّة لم تحدث أبداً في ما نُطلق عليه العالم الحقيقي. بالتأكيد، إنها طريقة بائسة أن تقضي حياتك جالساً وحدك داخل غرفة بقلمٍ في يدك، ساعة بعد ساعة، يوماً بعد يوم، سنة بعد سنة، تناضل من أجل أن تضع الكلمات فوق صفحات من الورق في سبيل توليد ما ليس موجوداً - سوى في رأسك. لماذا يريد أحدٌ ما أن يفعلَ أمراً كهذا؟ الجواب الوحيد الذي استطعتُ الخروج به: لأنه ينبغي له أن يفعله، لأنه لا خيار آخر لديه!».

العالم جميل لأن فيه أدباً وكتاباً لا يصنعون عالماً مثالياً ولكنهم يعدوننا بذلك، وقد كان أوستر أحد هؤلاء.

وداعاً بول أوستر.