بُعيد الإعلان عن وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية حسين عبد اللهيان، ومرافقيهما، في حادث تحطم مروحية بمنطقة جبلية وعرة، شمال شرقي إيران، صباح الاثنين المنصرم، أعربت القيادة الإماراتية، ممثلة في صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، ونائبيه، عن خالص تعازيهم للإيرانيين، حكومة وشعباً، في هذا المصاب الجلل، وعبّرت عن تضامنها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في هذه الظروف الصعبة. وبعد مشاطرته الإيرانيين الأحزان في الراحلين، وتقديمه واجب العزاء، خصّ سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، زميله الراحل عبداللهيان بالذكر؛ حيث أثنى على دوره في تعزيز العلاقات الإماراتية - الإيرانية.
والحقيقة أنّه منذ تولي الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي كثامن رئيس لإيران، في أغسطس/ آب2021، خلفاً لحسن روحاني، شهدت العلاقات الخليجية-الإيرانية، وفي القلب منها العلاقات الإماراتية-الإيرانية، تطورات إيجابية عدّة، أهمها رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية الإماراتية والكويتية مع إيران في 2022، بعد أكثر من ست سنوات من تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي. ثم كان الاتفاق السعودي-الإيراني، في مارس/ آذار 2023 بوساطة صينية؛ لإعادة تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، وإنهاء القطيعة الدبلوماسية؛ ما فتح المجال لزيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى طهران في مايو/ أيار 2023. وفي الشهر التالي، جاءت جولة وزير الخارجية الإيراني عبد اللهيان إلى عدد من دول الخليج، بما فيها دولة الإمارات، وقطر، والكويت، وعُمان.
وتشير جميع هذه التطورات إلى أن العلاقات الخليجية-الإيرانية تمر بمرحلة انفراج، قد يفضي إلى ترميم الجسور، وتعزيز العلاقات، والتركيز على ما هو مشترك في المنطقة، وعلى مبدأ حسن الجوار، بدلاً من الوقوف على عوامل الاختلاف.
والحقيقة أن الانفراجة التي شهدتها العلاقات الخليجية-الإيرانية في عهد الرئيس رئيسي كان للإمارات قصب السبق فيها. ففي ديسمبر/ كانون الأول 2021، زار سمو الشيخ طحنون بن زايد، مستشار الأمن القومي طهران، والتقى رئيسي، وركز الاجتماع على تجاوز الخلافات وتنمية العلاقات المشتركة. وكانت النتيجة أن عادت العلاقات التجارية والاقتصادية إلى ما كانت عليه تقريباً. وعقد مجلس رجال الأعمال الإماراتي - الإيراني الاجتماع الأول له في طهران، في مايو/ أيار 2023. وتوجّت هذه التطورات بتوقيع اتفاقية تجارية بين دولة الإمارات وإيران في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023. وفي مايو/ أيار 2024، عقدت اللجنة الاقتصادية المشتركة بين دولة الإمارات وإيران دورتها الأولى؛ بهدف تعزيز التعاون في القطاعات الاقتصادية الجديدة، والسياحة، والنقل، وريادة الأعمال، والطاقة المتجددة.
وتُعد إيران ثاني أكبر شريك تجاري لدولة الإمارات بعد الصين. فقد تحسنت التجارة بين طهران وأبوظبي من ركود بقيمة 11 مليار دولار في عام 2021، إلى 24 مليار دولار في العام المالي الإيراني (مارس 2022-مارس 2023)، إلى 27.4 مليار دولار في العام الذي يليه. ويتوقع المسؤولون الإيرانيون أن تصل التجارة الثنائية مع الإمارات إلى 30 مليار دولار، في العامين المقبلين.
وبعد رحيل رئيسي، ولجت إيران في مرحلة انتقالية حتى إجراء الانتخابات الرئاسية في أواخر الشهر المقبل، حيث أصبح نائبه الأول، محمد مخبر، قائماً بأعمال الرئيس، الذي اختار علي باقري كني، المفاوض المحنّك، ونائب وزير الخارجية السابق للشؤون السياسية، وزيراً للخارجية، خلفاً لحسين عبد اللهيان. وهذا الترتيب السلس والسريع لانتقال السلطة، ولاسيما إدارة السياسة الخارجية، سيحدّ من أية تداعيات مفاجئة، أو سلبية لغياب كل من رئيسي وعبداللهيان، لاسيما على العلاقات الخليجية-الإيرانية، بحكم الصلة الوثيقة بين مخبر وكني بالراحلين، وخبرتهما في التعامل مع القضايا الإقليمية، والدولية، بخاصة الملف النووي. كما أنّ التوقعات بخلافة رئيس مجلس الشورى الإيراني، محمد باقر قاليباف، للرئيس الراحل رئيسي، وأنّ العلاقة بين قاليباف والمرشد الأعلى «علي خامنئي» تماثل في طبيعتها العلاقة بين رئيسي وخامنئي، تصب في هذا الاتجاه أيضاً.
وهكذا، لا يُتوقع حدوث أي تغير في مسار العلاقات الإماراتية-الإيرانية، التي سوف تتابع تركيزها على نهج التنمية، وترسيخ الاستقرار في منطقة الخليج. ومع ذلك، تتطلع أبوظبي إلى أن تفضي المرحلة الانتقالية إلى إدارة إيرانية تُشارك القيادة الإماراتية الاستعداد لتخفيف التصعيد في المنطقة، وتسوية المشكلات التي تفرمل صيرورة تطور العلاقات الخليجية-الإيرانية، وعلى رأسها الملف النووي الإيراني، والجزر الإماراتية الثلاث، بالوسائل السياسية.
فالحوار والمنهج الدبلوماسي هما ما يمكن أن يقودا المنطقة إلى استقرار سياسي وازدهار اقتصادي، لجميع شعوب ودول المنطقة. وفي هذا الصدد، جدد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، في كلمته أمام القمة العربية بالمنامة، في 16 مايو/ أيار الجاري، الدعوة لإيران إلى «الرد الإيجابي على دعواتنا المتكررة للحل السلمي لقضية الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى، من خلال المفاوضات المباشرة، أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية».
*متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية
التعليقات