تهدد الاضطرابات التي تجتاح كاليدونيا الجديدة، المستعمرة الفرنسية في المحيط الهادئ، بتقويض جهود الرئيس إيمانويل ماكرون لاستعادة نفوذ بلاده كقوة عالمية، وكذلك قدرتها على مجاراة التنافس المتزايد من قبل الصين.

وانفجر الغضب على خلفية خطة فرنسية لفرض قواعد انتخابية جديدة في الأرخبيل الذي يقطنه نحو 300 ألف نسمة. ومن شأن الخطة توسيع حق الاقتراع في الانتخابات المحلية ليشمل الفرنسيين المقيمين في كاليدونيا الجديدة، الأمر الذي جعل البعض يخشى من تحييد أصوات السكان الأصليين الذين يعرفون بالكاناك ويشكلون 40 في المئة من السكان، بينما يشكل المتحدرون من أصول أوروبية ربع الأرخبيل الذي ضمته فرنسا عام 1853.

ووافق المشرعون الفرنسيون على تعديلات دستورية الثلثاء الماضي، تسمح للمقيمين الذين عاشوا في كاليدونيا الجديدة لمدة 10 سنوات، بالتصويت في الانتخابات المحلية.

وجاءت هذه الخطوة لتوسيع التصويت بعد سنوات من المفاوضات الفاشلة بين باريس والجماعات المناهضة للاستقلال والمؤيدة له. وبموجب القانون الحالي، لا يحق إلا للأشخاص الذين يعيشون في كاليدونيا الجديدة منذ عام 1998 على الأقل ولأولادهم الذين تفوق أعمارهم الـ18 عاماً، التصويت في الانتخابات المحلية.

وعلى رغم دعوات من المجموعات السياسية المؤيدة للاستقلال، فإن الاضطرابات استمرت في العاصمة نوميا ومدن أخرى، وأعلنت السلطات الفرنسية حالة الطوارئ ودفعت بتعزيزات من الشرطة إلى الأرخبيل وفرضت حظراً للتجول واعتقلت المئات من المحتجين.

والغضب الذي تفجر الأسبوع الماضي يتراكم منذ سنوات. والتعديلات المقترحة على قانون الانتخاب شكلت نقطة الاشتعال في سلسلة طويلة من التوترات حول الدور الفرنسي في الجزيرة.

وعلى رغم أن سكان كاليدونيا رفضوا الاستقلال في ثلاثة استفتاءات أجريت إلى حد الآن، فإن القضية لا تزال تحظى بدعم قوي في أوساط شعب الكاناك، الذين عاش أجدادهم في الأرخبيل منذ آلاف السنين. وآخر استفتاء أجري عام 2021، لا يزال موضع شك من قبل المجموعات المؤيدة للاستقلال بسبب أزمة كوفيد. وكان هذا سبباً من تصاعد الاستياء.

ومنذ أشهر، كانت التعبئة تتصاعد في الأرخبيل ضد التعديلات المقترحة على قانون الانتخاب. وتقود خلية تنسيق العمل الميداني التي تأسست في تشرين الثاني حركة الاحتجاجات. وهي متفرعة من الاتحاد الكاليدوني، الجناح المتشدد من جبهة الكاناك المؤيدة للاستقلال.

ولاحظ القنصل العام الأسترالي دنيس فيشر الذي خدم في نوميا في العقد الأول من القرن الحالي، أن العنف هو الأسوأ منذ 40 عاماً. وقال إن "هذا يمثل نقلة نوعية... الجميع يراقب فرنسا... لقد نصبت نفسها سلطة سيادية في منطقة المحيط الهادئ... ويتعين عليها احترام شعبها، بما في ذلك الكاناك".

وكاليدونيا الجديدة تقع على مسافة 1500 كيلومتر شرق أستراليا، وهي واحدة من 12 مستعمرة فرنسية لا تزال قائمة حتى اليوم. واستخدمت فرنسا هذه المستعمرة لفترة طويلة كسجن، وهي تقيم فيها الآن قاعدة عسكرية. والسكان المتحدرون من أصل أوروبي هم أحفاد المستعمرين والسجناء الذين كانوا يرسلون إلى الأرخبيل بالقوة.

وحازت معظم المستعمرات الفرنسية الاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية، لكن باريس تمسكت بجزر صغيرة في أنحاء العالم. وهذا ما مكّن فرنسا من الحفاظ على وجود عسكري في كل قارة ـ وينتشر 8 آلاف جندي في المستعمرات الفرنسية، بينهم 2500 في منطقة المحيط الهادئ والهندي - وتأسيس ثاني أكبر منطقة اقتصادية خالصة، بعد الولايات المتحدة.

وأثار العنف في كاليدونيا الجديدة قلق البلدان المجاورة، بما فيها أستراليا ونيوزيلندا، اللتان تتحركان عادة لضمان الأمن في المحيط الهادئ. وقبل ثلاثة أعوام، أرسلت أستراليا أكثر من مئة شرطي فدرالي إلى جزر سليمان بعدما أقدم محتجون على إضرام النار في مبانٍ واقتحموا البرلمان هناك.

والغريب أن وزير الداخلية الفرنسي جيرالد درامانيان اتهم أذربيجان بإثارة الاضطرابات، مشيراً إلى أن قادة الجماعات المؤيدة للاستقلال كانوا زاروا باكو في المدة الأخيرة.

وتوجيه الاتهام إلى أذربيجان التي نفت أي تورط لها، يعود إلى استياء باكو من الدعم الفرنسي السياسي والعسكري لأرمينيا في نزاعها مع باكو.