مشاري الذايدي

في الثالث من شهر مارس (آذار) عام 1924 وافق البرلمان التركي على إلغاء الخلافة الإسلامية ليضع نهاية «للخلافة» العثمانية.

سبق هذا التاريخ سقوط ٌمتدّرجٌ ونهاية طويلة الذيل لما وُصف بـ«الخلافة العثمانية»، لاحقاً، وهو حدثٌ ضخم وزلزال كبير، ما زالت لواحقه الارتدادية حتى اليوم.

ربما لاحظ الكرامُ ممن يقرأون هذه المساحة، كثرة تذكير كاتبها بهذه المناسبة، وأن أنصار فكرة الخلافة لم يصبحوا تاريخاً يُقرأ في الماضي، مع رشفة كوب من الشاي أو فنجان من القهوة، وكان الله بالسر عليماً.

أو لم يعد هذا التاريخ، العثماني، مجرد مسلسل تشاهده على منصة «نتفليكس» أو غيرها، عن أرطغرل أو السلطانة خانم، مع مكائد الحرملك، وصيحات السلطان سليمان في حلبات المعارك.

لا... هذا تاريخ حي اليوم، ويُعاد بعثه كل يوم، وما «داعش» وقبله «القاعدة» وقبلهما «حزب التحرير» وقبلهم كلهم جماعة «الإخوان المسلمين»، إلا رجع صدى لهذه الخلافة الدفينة والمجد التليد... زعموا.

الواقع أن قراءة تاريخ الدولة العثمانية، أو الربع الأخير منه؛ خصوصاً الثلاثين سنة الأخيرة منه، ليست إلا قراءة عاطفية مزيّفة من طرف كتَبة التاريخ من وجهة نظر أتباع الأحزاب الإسلاموية المتعثمنة.

حتى أكون موضوعياً، فلن أقول إن «كل التاريخ» العثماني كان سيئاً، وإنه لا حسنات له على منطقة العرب، على العكس لهم لحظات مشرقة خاصة في مقاومة الغزو البرتغالي والخطر الصفوي.

لكن هذا التاريخ ليس ناصع البياض كما يقدّمه «الإخوان» وأنصار العثمانية الجديدة، بل له صفحات مظلمة، وصفقات مشبوهة على حساب المصالح العربية، ومن ذلك منطقة الخليج العربي، وشرح ذلك يطول.

أذكّر بكل هذا من جديد، لأنني انتبهتُ لاقتباسٍ أورده الباحث السعودي (ناصر الحزيمي) في مقالته الأخيرة بـ«العربية نت» عن «فهلوة» كما وصف، الداعية الإخواني الكويتي (طارق السويدان)، وفيه نقل الحزيمي عن مجلة «المجتمع» الكويتية سؤالها لطارق: «بعد سقوط الخلافة، ظهر كثير من الحركات الإسلامية، وشاهدنا هجوماً على هذه الحركات منذ بدايتها من قبل القوى الغربية وبعض الأنظمة؛ فلماذا هذا الهجوم الشديد؟ هل هو خوف من عودة الخلافة؟».

فأجاب السويدان: «ليس خوفاً من عودة الخلافة فقط، بل من الإسلام نفسه؛ فهو تحدٍ حضاري وليس فقط تحدياً سياسياً، اليوم الغرب يعتبرون أنفسهم هم المرجع لكل البشر... ونحن نقول لهم: أنتم لستم المرجع، نحن نعتبر أن الإسلام هو المرجع؛ فهو الذي سيسود الدنيا كلها وسيحكمها بالأخلاق التي دمرتموها أنتم، فهذا تحدٍ وصراع حضاري».

لاحظ هنا، أيها الكريم، المماهاة الكاملة والتوأمة المتطابقة، بين الإسلام نفسه، ومسألة دولة سلاطين أتراك، وبين هذا وحركة «الإخوان» نفسها... عند السويدان الكل واحد! بالضبط هنا ميدان المعركة التربوية الفكرية الثقافية، منذ مائة عام... إلى اليوم في عام 2024.