تشكل الزيارة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة إلى الصين وكوريا الجنوبية محطة بارزة في العلاقات الثنائية بين الإمارات وكل من البلدين. ومع أن التعاون مع كوريا الجنوبية يتميز بنوعية حركة التجارة واعتبار كوريا الجنوبية من نمور آسيا الفعليين، فإن زيارة الصين تكتسب أهمية أكبر.
فالصين هي الاقتصاد الثاني في العالم، وهي الشريك الأول للولايات المتحدة الأمريكية. وبالتالي هي عنصر لا يمكن الاستغناء عنه للاقتصاد العالمي بل للاستقرار.
والصين هي القوة العالمية الصاعدة بعد الاتحاد الروسي فيما يتعلق بتوازنات القوة المؤثرة بما فيها القوة العسكرية. فضلاً عن أن الصين عضو دائم في مجلس الأمن الدولي ولها بالتالي حق استخدام حق النقض (الفيتو). وقد رأينا بأم العين أهمية وجود هذا الحق في منع ترتيب النظام العالمي وفقاً لأهواء قوة واحدة بعينها. على الرغم من أن العالم كما يتبين أيضاً ولا سيما من الأحداث في أوكرانيا وفي غزة يدار بمنطق القوة، بل أحياناً القوة المفرطة والهمجية.
كذلك فإن الصين تؤدي دوراً «حيادياً» إلى حد كبير في الشرق الأوسط. فرغم علاقات الصين مع إسرائيل والاستثمارات، فإن الصين تمارس سياسة دعم قوية للقضية الفلسطينية ومعارضة قوية للاحتلال الإسرائيلي للضفة وقطاع غزة.
والصين استخدمت الفيتو في مجلس الأمن لصالح قضايا عربية متعددة لإحباط سياسات أمريكية كانت تستهدف المنطقة العربية.
نسوق هذه الأمثلة لكي نوضح للقارئ أن الصين تنتهج عالمياً سياسة تقوم على المصالح الوطنية الداخلية، وعلى توازن في المصالح العالمية من منظور قائم على عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، واحترام سيادتها واستقلالها، وعلى أساس المنفعة المشتركة.
عندما تقرر دولة الإمارات تعزيز التعاون مع الصين، فهذا ينطلق من رقم حجم تجارة استثنائي. فالميزان التجاري كان يبلغ 72 مليار دولار عام 2021 ليرتفع بنسبة أكثر من 33 في المئة عام 2022 ويبلغ مئة مليار دولار. وهذا قد يبدو خادعاً أو وهمياً. لكنها الحقيقة بعينها. وهي إلى تزايد مطرد مع مرور الأعوام.
وتنعكس أهمية هذا الرقم من خلال، أولاً عدد سكان الإمارات الذي يقارب العشرة ملايين نسمة قياساً إلى الصين التي يقارب عدد سكانها المليار ونصف المليار نسمة.
أما الملاحظة الثانية فهي أن الميزان التجاري بين الإمارات والصين على الرغم من أنه يميل للصين لكن الفارق ليس بالكبير. فالصادرات الصينية إلى الإمارات تبلغ نحو 54 مليار دولار فيما تبلغ الصادرات الإماراتية للصين 46 مليار دولار.
وفي الإمارات نحو ستة آلاف شركة صينية ونحو نصف مليون صيني. فضلاً عن أن عدد الزوار الصينيين إلى الإمارات يتجاوز سنوياً المليون شخص.
والسبب في كون الإمارات الشريك التجاري الأكبر للصين في المنطقة العربية هو طبيعة الدور الذي رسمته قيادة الإمارات في أن تكون مقراً ومعبراً حديثاً يوفر كل الإمكانات والتسهيلات للبضاعة الصينية ليعاد تصدير ما لا يقل عن ستين في المئة منها إلى دول العالم الأخرى.
ولا شك أن الإمارات تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي في العلاقات بين آسيا والمنطقة العربية وحتى أوروبا. ولكن إذا ركزنا على الجانب الاقتصادي من هذه العلاقات فإننا نقلل من شأن البعد السياسي منها، فبعد أربعين سنة من العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات والصين يمكن القول إن انفتاح الإمارات على العديد من القوى التي بدت كما لو أنها تسير خارج السياق الأمريكي في المنطقة مهم جداً في تطوير العلاقات بين الدول وفي تحقيق التوازن في بعض القضايا.
إن الموقف الإماراتي يتميز بأنه على مسافة معينة في العديد من القضايا الدولية من مواقف الدول الكبرى المختلفة. ولا شك أن هذه الحسابات تضع في الاعتبار أن يكون للإمارات دور مميز قادر على القيام بأدوار تستعصي على دول أخرى مؤثرة في المنطقة.
ومع أن العلاقات التجارية بين الإمارات وكوريا الجنوبية متواضعة قياساً بالعلاقات التجارية مع الصين، فإن زيارة رئيس الدولة إلى سيؤول تأتي في إطار الارتقاء بهذه العلاقات إلى المكانة التي تستحقها، خصوصاً أن كوريا الجنوبية من النمور الآسيوية التي تمتاز بصناعات أصيلة وموازية في الكثير من المجالات الحيوية في العالم من الإلكترونيات والهواتف النقالة إلى الأدوات الكهربائية والسيارات، وغير ذلك. كما أن البلدين تربطهما علاقات استراتيجية تشمل العديد من النواحي الاقتصادية والتقنية، والتعاون في مجال الطاقة النووية السلمية، والبيئة، والثقافة، والتعاون الأمني.
يشكل التعاون الإماراتي مع دول آسيوية مثل الصين وكوريا الجنوبية نموذجاً لتشجيع الدول العربية الأخرى للتوجه أيضاً شرقاً سواء إلى الصين أو روسيا أو إيران التي يبلغ حجم التبادل التجاري بينهما رقماً لا بأس به، مرشحاً للازدياد وهو 30 مليار دولار.
التعليقات