تُحاصر لبنان الأسئلة المُلحّة حول مستقبل القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن في 11 يوليو/ تموز 2006 محتلاًّ العنوان الأبرز المصاحب ل«طوفان الأقصى»، ورابطاً مستقبل لبنان وجنوبه تحديداً بغزّة وفلسطين. هذا قرار جاء عقب حرب إسرائيلية تدميرية على لبنان دامت 33 يوماً وكان من القرارات المهمّة عن مجلس أجازف بتسميته «مطبعة الأمن الدولي».. لماذا هذه التسمية؟

1- لأنّ المجلس الدولي أصدر منذ إنشائه في 17 يناير/ كانون الثاني 1946 بعد الحرب العالمية الثانية معالجاً إخفاقات عصبة الأمم في الحفاظ على السلام العالمي حتى اليوم 2728 قراراً عقب حروب ونزاعات وسجالات دولية مُقرّراً مكرّراً فقرات قراراته ب: «إن مجلس الأمن إذ يؤكّد، ويؤكّد من جديد، وإذ يُشير إلى جميع قراراته، وإذ يعرب عن بالغ القلق، وإذ يُرحّب ويُشيد بالجهود، وإذ يُحيط علماً، وإذ يُشجّع، وإذ يُسلّم، وإذ يُكرّر تأكيد مطالبه: يطلب إلى الأمين العام أن يُبلّغ عن تنفيذ هذا القرار في التقارير ويُقرّر أن يُبقي المسألة قيد نظره الفعلي».

2- لأنّه يذكّرنا مثلاً بالقرار 425 في: 3/19/ 1978 القاضي بالانسحاب الفوري للقوات «الإسرائيلية» من لبنان واحترام سلامته وسيادته الإقليمية داخل حدوده المعترف بها دولياً. استجاب لبنان بإنشاء قوة مؤقتة للأمم المتحدة بإشراف المجلس الذي أوكل إلى أمينه العام تقديم تقريره حول تنفيذ القرار خلال 24 ساعة، لكنّ التنفيذ بقي يتمطّى 22 عاماً، أصدر المجلس خلالها 89 قراراً مماثلاً يُطالب بوقف العنف وبسط السلطة اللبنانية على أراضيها، وتمّ تنفيذه عندما وقف غسان تويني مندوب لبنان في الأمم صارخاً في 5/25/ 2000: «دعوا شعبي يعيش».

3- لأنّ القرار1701 شاغل لبنان والعالم اليوم بصياغته الغامضة اعتُبر من أغرب القرارات في تاريخ المجلس الذي دمج تطبيقه مع خمس قرارات سبقته: 425، 426، 1559، 1655، وال1680 عنوانها واحد: كيفية نزع سلاح المقاومة في لبنان.

عرض دايفيد ولش مساعد وزير الخارجية الأمريكية، يومها في 8 أغسطس/ آب 2006 مشروعاً لقرار أمريكي وفقاً للبندين 9 و11 من الفصل السابع مع الإقرار بأن ما يحصل في لبنان سيشكّل تهديداً للسلام والأمن الدوليين مقترحاً وقف إطلاق النار واحترام الخط الأزرق وحظر السلاح لغير الحكومة اللبنانية، وترسيم الحدود مع سوريا. عرضت فرنسا نصّاً آخر تمّ تعديله لمرّات جاء في البند 8 من صيغته الأخيرة «موافقة لبنان وإسرائيل السماح بموجب الفصل السابع بنشر قوة دولية تدعم الجيش اللبناني وتولّد بيئة آمنة جنوبي الليطاني». هكذا أُقرّ المشروع الأمريكي- الفرنسي في صيغته الأخيرة إلى «إنهاء كامل للأعمال العدائية وإنشاء منطقة دولية عازلة بين الخط الأزرق والليطاني».

4- ولأنّ لبنان الرسمي والشعبي غرق حيال «طوفان الأقصى» بطوفانات من الاستفهامات والازدواجيات والتجاذبات والانقسامات وحفّ الأكفّ والتلعثم أمام الموفدين المسكونين بالقرار 1701 لارتباطه بالثروات الغازية والنفطية في لبنان الوطن المنهار والمُتهالك. قيل ويُقال وسيقال الكثير في ال1701 وإمكانات الإتيان بقوّات متعددة الجنسيات إلى لبنان وفقاً للفصل السابع، وهو ما برز بنداً متقدّماً حول طاولات الحوار في الاستراتيجيات الدفاعية اللبنانية، ويحضر مجدداً مطالباً بانتشار الجيش اللبناني على كامل الأراضي اللبنانية بانتظار المهمات المرتبطة بالجمهورية اللبنانية بعد انتخاب الرئيس واختتام فصول الفراغ في قصر بعبدا.

5- صحيح أنّ ال1701 اعتُبر من أطول نصوص قرارات مجلس الأمن وأكثرها تشعباً في فقراته التمهيدية والتنفيذية بما يُخفي إرباكاً في آليات تطبيقاته، وكأنّ النص ولد خلال دهشة أممية في ال2006 تزاحمت خلالها الأفكار والنصوص ضماناً للاستقرار في جنوب لبنان، حتّى أنّ ألمانيا وجدتها مناسبة ذهبية آنذاك للتفكير بكشح «الخطايا المتراكمة» عليها ديوناً لإسرائيل منذ الحرب العالمية الثانية، لكنّ الأصحّ تأكيد الفقرتين 20 و21 للقرار بأن لبنان هو المهاجم المُهدّد للسلام والأمن الدوليين، لذا دعا في فقرتيه 12 و14«الحكومة اللبنانية بتأمين حدودها منعاً لدخول لبنان بلا موافقته أسلحة ثقيلة أو معدات متّصلة بها، طالباً من «اليونيفيل» مساعدة الحكومة اللبنانية حين طلبها».

6- الخلاصة، سيقع هذا كلّه وفقاً للفصل السابع حيث تتدرّج 3 مراحل لفضّ النزاعات سلميّاً وبموافقة الأطراف المتنازعة (مادة 40)، وإلاّ سيفرض المجتمع الدولي عقوباتٍ وحصاراً جزئيّاً أو كليّاً على الطرف المخالف (مادة 41) وفي حال عدم التجاوب، يُعلن المجتمع الدولي حربه على هذا الطرف لفضّ النزاعات (مادة 42) بالترابط المُحكم بين الفصلين 6 و7.

هكذا نفهم لماذا أوفدت فرنسا وزيرة خارجيتها كاترين كولونا في 2023/12/17 إلى إسرائيل ثمّ إلى لبنان لتهمس في أذن المسؤولين: «الوضع خطير جدّاً وإذا غرق لبنان بالحرب فهو لن يتعافى».

يستمر لبنان الرسمي والشعبي متلعثماً حيال مستقبل ال1701، وهو يبدو خطراً وسيصبح أشدّ خطورة للاستهانة بالحروب الضخمة المشتعلة في جنوبه لا سيّما وأنّ لبنان وافق على تطبيقه بالإجماع وفقاً للفصل السابع.

ماذا سيفعل لبنان المنقسم والقوات الدولية حين استحضار المادة 41؟ ليس هناك من يصرُخ: دعوا «شعوبنا» المُتناكفة في لبنان تعيش.