مرة أخرى، يتعرض جيروم باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي لضغوط بشأن الإفصاح عن التوقيت المحتمل لخفض الفائدة، لكنه ينجو بمهارة فائقة من الفخ، الذي نصبه له البعض خلال المؤتمر الصحفي، الذي أعقب تثبيت سعر الفائدة، حيث أفلت بدهاء من إمكانية وضعه في الزاوية، فلم يقدم الكثير من الإشارات، وأحال كل شيء للبيانات المستقبلية، وقال باول صراحة إنه لا يستطيع تحديد عدد الأشهر التي يحتاجها الفيدرالي من البيانات الجيدة، سواء على مستوى الأسعار أو التوظيف، حتى يقدم البنك باطمئنان على خفض الفائدة، وبالرغم من أن افتقاد الإشارات يشكل أمراً محبطاً للأسواق، إلا أنه تصرف يبدو مفهوماً تماماً، حيث يستند إلى فكرة عدم استعجال التيسير في وقت مبكر حتى لا يشتعل التضخم مجدداً، فضلاً عن أن تاريخ الصراع مع التضخم، يشير إلى أن الفيدرالي لا يخفض الفائدة حتى يصل إلى هدف الـ2%، مع استقراره لعدة أشهر.

والحقيقة، أن هدف التضخم البالغ 2% مات إكلينيكياً، والسوق تعرف ذلك تماماً، ولهذا لا يجب التمسك به بشكل صارم، فتوقعات التضخم خلال السنوات العشر القادمة عند 2.4%، بل إن توقعات المستهلك للتضخم خلال العام المقبل، وفقاً لمؤشر جامعة ميشيغان تبلغ في المتوسط 4%، وبسبب هذه الخلفية، يتجاهل الفيدرالي الحديث عن تخفيف السياسة النقدية، لأنه ربما يضطر لاحقاً إلى رفع الفائدة، ومما يزيد الأمور تعقيداً أن السياسات المالية الراهنة للرئيس جو بايدن تتسم بالنفقات التوسعية، مما يرفع من معدلات التضخم، وعلى سبيل المثال، فإن حزمة المساعدات إلى أوكرانيا وإسرائيل وتايوان، التي تمت الموافقة عليها مؤخراً، تصل إلى 95 مليار دولار، وبرنامج بايدن لإعفاء 475 مليار دولار من ديون الطلاب، سيزيدان من العجز الحكومي إلى حوالي 5.6% في عام 2024، و6.1% في 2025، ارتفاعاً من 4.6% قبل الوباء، وهذا العجز سيضيف نصف نقطة مئوية للتضخم.

يعاني الأميركيون العاديون، من الأسعار الملتهبة التي تنهش قوتهم الشرائية بلا هوادة، ولا يستطيعون فعل شيء، سوى الشكوى المرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى سبيل المثال، تستحوذ مشتريات البقالة على الحصة الأكبر من دخل الأسر، وهذا الأمر يحدث للمرة الأولى منذ ثلاثة عقود، فيما يعاني العمال من ذوي الأجور المنخفضة من انعدام الأمن الغذائي، وبالرغم من أن متوسط ​​​​الراتب الأسبوعي ارتفع منذ يناير 2021، بمقدار 153 دولاراً، إلا أن هذا المبلغ يشتري أغراضاً أقل بـ41 دولاراً، في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار المواد الغذائية بمعدل 21.2%، وشهدت بعض السلع الأساسية زيادات أكبر، مثل البيض والخبز وزبدة الفول السوداني، إذ تتجاوز نسبة الارتفاع 35%، وزادت أسعار الحبوب والدجاج 25%، مما اضطر الناس إلى استخدام بطاقات الائتمان في شراء احتياجات البقالة.

يساعد إحباط الأمريكيين من ارتفاع الأسعار في تراجع شعبية بايدن، في استطلاعات الرأي، بينما يعطي متنفساً كبيراً لغريمه الرئاسي ترمب، وإذا خفض الفيدرالي أسعار الفائدة، ولو مرة واحدة فقط، فإن ذلك سيسمح لبايدن والديمقراطيين بالقول في حملة الخريف إن أسعار الفائدة تنخفض بالفعل، وإذا لم يقم الفيدرالي بخفض الفائدة، أو لم يتمكن من ذلك، فسوف يفاقم هذا الأمر من مشكلة إعادة انتخاب الرئيس الحالي، من جهة أخرى تمنح احتمالية خفض الفائدة في سبتمبر، الرئيس بايدن بعض الراحة النادرة في حملته الرئاسية، بعدما أصبح هذا الخفض مطروحاً على الطاولة من جديد، ومع استمرار تراجع التضخم، فإن الأسواق باتت ترجح قيام الاحتياطي الفيدرالي بخفض الفائدة مرة واحدة على الأقل، إما قبل أو أثناء انعقاد اجتماع الفيدرالي خلال سبتمبر.