زاد الكلام في المجتمع السعودي مؤخراً عن التدخين الإلكتروني بشكليه، ويدخل في ذلك السجائر الإلكتروني التي تستخدم لمرة واحدة، ومعها جهاز (الفيب) القابل لإعـــادة الاستخدام، ضمن سلوك يسمونه (الفيبنغ)، وكلاهما يستخدم كوسيلة للاقلاع عن التدخين العادي، والصحيح أن من قام بابتكار السيجارة الإلكترونية نفسها في 2003، وهو صيني اسمه (هون ليك)، حاول مساعدة نفسه والآخرين على ترك التدخين، ولكنه صرح في مقابلة صحافية بعد 21 عامًا من الاختــــراع، أو في 2024، بأنه أخفق في ذلك، والأصعب أنه في الوقت الحالي، أصبح يدخن السجائر الإلكترونية والعادية معا، بمعنى أن مشكلته أصبحت مركبة، وفيها دليل واقعي على خطورة التدخين الإلكتروني، وما سبق لا يعادل خطورة تورط المراهقين والأطفال في عالم التدخين، وخصوصاً من تتراوح أعمارهم ما بين 13 عاماً و15 عاماً، فقد جاء في تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2024، بأن أعداد مدخني السجائر الإلكترونية في العالم، من هؤلاء، وصلت إلى 37 مليونًا من الجنسين.

السجائر الإلكترونية والفيب لا تترك رائحة على من يدخنها، مثلما يفعل التدخين العادي، بخلاف أنها متاحة بأكثر من 16 ألف نكهة مرغوبة، ولاتوجد قيود فعليــــة على بيعها أو تــــداولها، وبالأخص جهـــاز (الفيب)، وبحسب إحصاءات 2015، فإن استعمال السجائر الإلكترونية، ارتفع بين طلاب المدارس الثانوية في أميركا، بمعدل 900%، وما يصل إلى 70% من هذه النسبة، لم يتعاطوا السجائر العـادية طـوال حياتهم، ولا يجوز القول بأنها أقل ضررًا، لعدم وجود دليل علمي أو موثوق على مأمونيتها، وبعض أجهـزة (الفيبنغ) يدخــــل في مكــــوناتها المستخدمة (ربـاعي الهيدروكانيبول) وهو من مشتقات مادة الحشيش المخدر، والأصح لإيقاف التدخيـــن، استخــــدام علكة أو ملصقات النيكوتين أو جهاز (النيكوترول)، أو إشغال تفكير الشخص ويديه بممارسة الرياضة.

في التدخين العادي لا الإلكتروني، ما يتم حرقه ليس التبغ وحده، وإنما تحرق بجانبه مواد كثيرة كالتار وأول أوكسيد الكربون والرصاص، ومعهم الاسيتون والرصاص والبنزين، والأخير يستخدم كوقود للسيارات مثلما نعرف، وكـــلاهما يشتركـــان في مادة النيكوتين إجمالاً، وهذه المادة وجــــدت قبـــولاً في أوروبا، عنـــــدما أحضــرها جـــون نيكوت (الذي سميت باسمه) لبـــلاط ملكة فرنسا، كاترين دي ميديشي، في القرن السادس عشر الميلادي، وقد كانت تعتبر من الطقوس الدينية والروحـــــانية لحضارة المـايا في الأميركتين، خلال القرن الأول قبل الميلاد، واستخدمت لمداواة الآلام وزيادة الخصوبة.

السجائر الإلكترونية تختلف في تركيبتها عن السجائر العادية، ولكنها تحتوي على معادن ثقيلة، كالقصدير والنيكل والكروم والمنغنيز والزرنيخ، وكلها مواد سامة تؤدي لمضاعفـــات خطرة، حتى وإن لم يكــــن النيكوتين موجوداً، ومن يعتقـد بأن المسألة (سهالات)، قــــد لا تسعده أرقـــــام ضحـايا السجائر الإلكترونية، والتي وصلت إلى 68 حالة وفـاة في 2020، بسبب تلف الرئة المرتبط ارتباطا مباشراً بالتدخين الإلكتروني، والإشكالية الأكبر أنها أوجدت نوعا جديدا من أمراض الرئة، يظهر في صورة التهابات حادة ومهددة للحياة، ولدرجة أن المختصين قد يضطرون في 90% من الحالات، إلى حجز المرضى داخل المستشفيات، لأن معالجتهم في بيوتهم غير مضمونة وقد تؤدي إلى الوفاة.

الحرب ليست متكافئة بين شركات التبغ، التي تصنع السجائر العادية والإلكترونية، وبين من يعمل على ضبط تداولها وتقنين استخدامها، كالحكومات والكيانات الأممية والخيرية، ومن الأمثلة، استخدام التدخين في أميركا كمعيار لقياس ولاء ووطنيــــة الناس، وذلك أثنــــاء الحرب العالمية الثــانية، وتحديدا عام 1941، فقد استغلت أن هتلر وموسوليني كانا ضد التدخين ويحاربونه، مقارنة بتشرشل وستالين وهما من كبار المدخنين، في اعتبار المدخنين انصار للحلفاء، ومن يرفضون التدخين مؤيدون للفاشية، وهذه الحيلة الماكرة، أجبرت أشخاص كثيرين على التدخين لحماية أنفسهم، بالإضافة لتمويلها أبحاثا طبية تؤكد منافع التبغ والسجائر الإلكترونية والفايب، في أميركا وأوروبا وبعض الدول العربية.

في هذه الايام، تعمل شركات التبغ التي تصنع السجائر العادية والإلكترونية والفيب، على استغلال منصــــات البث الرقمية كـ(نتفليكس) و (أتش بي أو) وغيـرها، لخـدمة أهــــدافها، وقد حـــدث هذا بالفعل، فما يزيد على 79% من أبطال عروضها المختلفة مدخنين، ومعظم من يشاهدها تتراوح أعمارهم ما بين 15 عاماً و24 عاماً، وتوجد قناعة راسخة عند هذه الشركات، يعود تاريخها لثلاثينات القرن العشرين، بأن التدخين العفوي في الأفلام والدراما التلفزيونية، أكثر قدرة على تعظيم الأرباح وزيادة أعداد المدخنين، من الإعلانات التجارية الموجهة، وهذه الفكرة صادقة تماماً، والمسألة لاتتوقف عند التدخين وتمتد لأمور أكبر وأخطر، وأستغرب عدم اهتمام هيئة الإحصاء السعودية بهذه الظاهرة، وغياب الدراسات المختصة حولها، على المستوى الوطني، رغم أنها تمس رأس المال البشري السعودي، الذي يعول عليه كمحور لكل عمليات التنمية في المستقبـــل، فلا أرقام ولا أبحاث ولا حتى تشريعات ضـــابطة، ولا منع لـ(الفيبنغ) لثبوت استخدامه في تدخين المخدرات، أو على الأقل رفع قيمة السجائر بشكليها إلى الحد الأعلى، استنادا لتوصية منظمة الصحة العالمية.