لم يأت تقرير صحيفة "التلغراف" البريطانية عن حال مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت من فراغ. السبب ان توقيته خطير للغاية في وقت تقف فيه الجبهة اللبنانية - الاسرائيلية على حافة الحرب. فبصرف النظر عن صحة التقرير من عدمها، يجب التنويه بأن المطار الذي يعتبر بوابة لبنان الوحيدة نحو العالم سقط منذ زمن بعيد تحت سيطرة "حزب الله"، وذلك على جميع المستويات بدءاً من الأمن وانتهاء بجميع مرافق المطار بخدماتها الرسمية والخاصة. أما أرض المطار فمحاصرة أمنياً من قبل الحزب المذكور. كما ان جميع بواباته الشرقية، ومدارجه وبالرغم من انتشار قوات من الجيش اللبناني كحامية، فإنها خاضعة لسيطرة "حزب الله" الواقعية والعملية بحكم هيمنة الحزب المذكور على القرار السياسي والأمني في البلاد، وخضوع جميع المؤسسات الأمنية والسياسية الرسمية. ولا ننسى ان المداخل والمخارج، وطرق الوصول من والى المطار تمر في قلب منطقة نفوذ "حزب الله" الشعبي والأمني المباشر.

ومنذ سنوات طويلة طويت صفحة الأمن الشرعي في المطار. فالمطار الذي يحمل اسم شهيد الاستقلال في لبنان، الذي اتهمت المحكمة الخاصة بلبنان في لاهاي قادة من "حزب الله" باغتياله في 14 شباط (فبراير) 2005، يحمل هذا الاسم الكبير شكلاً لا مضموناً. فمضمون اسم رفيق الحريري بعكس الجهة المهيمنة، هو السلام الاهلي، والوفاق الوطني، والتنمية، والاقتصاد، والازدهار، والانفتاح، والحداثة. من هنا فإن تقرير الصحيفة البريطانية الذي تحدث عن تخزين كميات من الصواريخ الإيرانية في الطبقات السفلية من المطار، يحتاج على هذا الصعيد الى تدقيق وعملية تحقق من جهات محايدة، ولا نقول رسمية لأن الرسميين في لبنان متواطئون مع "حزب الله" ويعملون بشكل منهجي على تأمين غطاء الدولة والشرعية عما يحتاجها. وهذا الامر لن يتغير لا اليوم ولا غداً. لكن سلامة المطار الدولي الوحيد في لبنان تحتاج الى معالجة جدية على مستوى السيطرة والامن من قبل المؤسسات الامنية اللبنانية، لكن بمساعدة دولية ذات صدقية تحول دون ان يبقى هذا المرفق الحيوي في لبنان خاضعاً من الناحية العملية والفعلية لسيطرة "حزب الله"، وشكلياً لسيطرة القوى الأمنية اللبنانية.

المشكلة أن الدولة اللبنانية حكومة ومؤسسات لا تتمتع بالحد الأدنى من الصدقية عندما يتعلق الامر بنفي خضوعها لمرجعية "حزب الله". ولقد ظهر الامر جلياً أمام اعين المجتمع الدولي منذ 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 عندما اتخذ الحزب المذكور قرار منفرداً بالتورط في حرب ضد إسرائيل وتوريط لبنان بتبعات حرب يرفضها معظم اللبنانيين. ولا تزال حرب الاستنزاف دائرة بين الطرفين، فيما تكتفي الدولة اللبنانية بمؤسساتها وقياداتها بلعب دور ساعي البريد بين قيادة "حزب الله" وممثلي الدول الكبرى المعنية بمنع تمدد حرب غزة، وتحولها الى حرب أوسع.

انطلاقاً مما تقدم، لن نستغرب اذا ما أجري تحقيق دولي مستقل، وتبين بالأدلة الملموسة والدامغة أن "حزب الله" يستخدم مطار رفيق الحريري الدولي إما لنقل أصناف معينة من الأسلحة ومكوناتها، او نقل أموال من ايران والعراق لتبييضها في لبنان، وربما نقل أي نوع من أنواع البضائع الممنوعة في الاتجاهين. فالمطار هو مطار "حزب الله". وهو يكمل سلسلة المَرافق الوطنية التي سقطت بدءاً من مرفأ بيروت، الى جميع المعابر الشرعية على طول الحدود اللبنانية – السورية، دون أن ننسى أكثر من 135 معبراً غير شرعي تنتشر من الشمال اللبناني الى سفوح جبل الشيخ مع سوريا، من شأنها ان تجعل من لبنان معسكراً تتحكم به ذراع إيرانية بامتياز.

بعد تهديد الأمين العام لـ"حزب الله" الجمهورية القبرصية الصريح قبل ثلاثة أيام، يأتي تقرير الصحيفة البريطانية ليعلن بأن لبنان الذي سبق ان سلخ طوال العقد الماضي بالقوة والاكراه عن بيئته العربية الحاضنة، سيزداد عزلة في كل مرة يتم فيها التذكير بتحلل الدولة واستسلام معظم الطاقم الحاكم فيها للميليشيا.