يلخص الاشتباك الأمريكي الإسرائيلي الدائر حالياً حول شحنات الأسلحة إلى إسرائيل، أحد أحدث تداعيات الحرب الإسرائيلية متعددة الوجوه على قطاع غزة، وإن كان هناك ما يشي بإمكانية فتح جبهات جديدة، رغم المحاولات الأمريكية المتكررة لمنع اندلاعها.
من المسلم به أن هذا الاشتباك لا يعني تخلي واشنطن عن دعم حليفتها الاستراتيجية تل أبيب، بقدر ما يحمل خلافات بين الجانبين حول طريقة إدارة الحرب وأهدافها النهائية. لكن مقتل عشرات آلاف الفلسطينيين بالأسلحة الأمريكية، وسوق إسرائيل إلى المحاكم الدولية بتهم «الإبادة» والجرائم ضد الإنسانية، وتحول الرأي العام الأمريكي والغربي ضدها، بات يحرج الإدارة الأمريكية ويهدد بخسارة الديمقراطيين الأمريكيين للانتخابات المقبلة، وتزايد فرص فوز الرئيس بايدن بولاية ثانية والعودة للبيت الأبيض.
هناك من يعتقد من الأمريكيين والإسرائيليين أيضاً أن نتنياهو يتعمد تعميق الهوة وزرع إسفين في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية للمساعدة على إسقاط بايدن ومجيء حليفه الموثوق دونالد ترامب لكي يحظى بدعم مطلق وبلا حدود، على الرغم من أن بايدن قدم ما لم يقدمه غيره من الرؤساء الأمريكيين، دعماً لإسرائيل. ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد، فنتنياهو الذي يحاول الظهور بمظهر بطل الحروب المتعددة، يواجه انتقادات خارجية وعزلة دولية وانقسامات داخلية حذر هو نفسه من تحولها إلى حرب أهلية، وبات الأمر يتعدى أحزاب المعارضة وتظاهرات أهالي الرهائن، والخلافات حول تجنيد «الحريديم»، إلى الجيش والمؤسسة الأمنية والعسكرية تتمحور في جوهرها حول إدارة الحرب وأهدافها أو ما يسمى «اليوم التالي» للحرب.
ففي الآونة الأخيرة، بدأ الجيش يفرض إيقاعه الذي يريد إنهاء الحرب بشكلها الحالي، على الأقل، طالما أن نتنياهو يصّر على عدم وضع أهداف سياسية واضحة لها، متسلحاً بانفراد اليمين واليمين المتطرف بالسلطة لأول مرة في تاريخ إسرائيل. ومرد ذلك أن نتنياهو وحلفاءه في اليمين المتطرف باتوا يعتقدون أن هناك فرصة تاريخية مواتية، بناء على نبوءات قديمة، بإمكانية إحداث تغيير استراتيجي في المنطقة، يبدأ باحتلال دائم لقطاع غزة وإعادة الاستيطان إليه، وإحداث تغيير جذري في وضع الضفة الغربية، ثم الانطلاق نحو توسيع الحرب سعياً لإخضاع المحيط بالقوة للهيمنة الإسرائيلية. غير أن تحقيق هذه الأهداف، لا تتوفر له الأدوات اللازمة، ولا تأخذ في الاعتبار لا المفاجآت المنتظرة ولا المتغيرات الجارية في المنطقة.
فالجيش الإسرائيلي، باعتراف كبار جنرالاته، مرهق ولا يستطيع فتح جبهات جديدة، ناهيك عن فشله، بعد تسعة شهور من القتال، في تحقيق أهداف الحرب في غزة.
مشكلة نتنياهو الذي لا يرى سوى مصالحه الشخصية، أنه يمعن في تضليل الإسرائيليين بقدرته على تحقيق الأهداف رغم انعدام اليقين والشكوك المتنامية بأنه يقود أطول حروب إسرائيل إلى كارثة حذر منها بعض من يوصفون بالعقلاء في إسرائيل ومنهم الجنرال إسحاق بريك، وهي أن فتح جبهة جديدة ربما يكون بمثابة «انتحار جماعي» لإسرائيل.
التعليقات