على الرغم من أن الحديث العام الذي يسود في فضائنا العربي يتجه إلى السياسة، وفي بعضه إلى الاقتصاد، حيث يجادل البعض حول نسب الفقر في مجتمعاتنا، وضرره على المجتمع، وهو مرض اجتماعي عضال، إلا أن الأكثر وجعاً، هو نسبة الأمية في الدول العربية، وهي نسبة مخيفة، وأهم عوامل الفقر والتخلف. لفت نظري مؤخراً، أن نسبة الأمية لدى الأطفال في العراق تناهز 40 % من مجموع أطفال العراق، لذلك أردت أن أفحص نسب الأمية على المستوى العربي العام، فهالني ما وجدت.

في عالمنا العربي، هناك تقدير بين 70 إلى 100 مليون أمي! نسبة الإناث منهم تناهز 50 %، ذلك في المتوسط العام، أما نسبة الأطفال الأميين في الشمال السوري فقد بلغت 50 %، وفي السودان 30 % (والأرقام السودانية قبل نشوب الحرب الأهلية وتعطيل المدارس)! أما في اليمن، فتبلغ 70 %، ومع أن نسبة الأمية في الأراضي الفلسطينية كانت قليلة نسبياً، إلا أن معظم أطفال غزة اليوم دون مدارس.

الأرقام مذهلة، فهي تقول إن نسبة الأمية في المجتمعات العربية قاطبة، هي ضعف المتوسط العالمي! وحتى تكتمل الصورة، لنلقِ نظرة مقارنة على نسبة الأمية في كل من لبنان المضطرب، والأردن المستقر، رغم أن الأمية قبل ربع قرن في لبنان، كانت تقريباً متدنية، إلا أنها ناهزت في ربع القرن الماضي 10 %، بسبب الاضطراب السياسي، بينما هي في الأردن 4.5 %!

لذلك أشرت أنها أكثر وجعاً، حتى من الفقر المشاهد، بل هي أحد أهم مسببات الفقر. وتكبر النسبة في مناطق الصراع العربي، حيث يشكل التعليم ثاني ضحية، بعد الحقيقة، والحديث هنا فقط عن حجم التعليم، وليس جودته، فذلك أمر آخر!! لأننا نعاني من الأمية غير الأبجدية!

يعني ذلك ببساطة، أن أجيالاً قادمة عربية متكاثرة تحمل الجهل، وستكون الغالبة، بجانب ما يعني فقدان قوة عمل في هذه المجتمعات، يعني الاعتماد على الخارج، وأيضاً وجود مادة خام من الناس، وخاصة الشباب، مغموسين بالجهل، الذين يمكن تجنيدهم ببساطة في مجال الشعوذة والخرافة، وأيضاً في مجال الإجرام والحروب.

إذاً هناك فضاء داكن تخلفه النزاعات والحروب المشتعلة في منطقتنا، غير الموت والتدمير، وهو فضاء لا يضر الحاضر فقط، ولكن أيضاً يعرض المستقبل إلى الدمار.

يتضافر عدد من العوامل التي أوصلتنا إلى هذه النتيجة، هي عدم الاستقرار السياسي الذي خلقته الشعارات الزاعقة، وأولجت المجتمعات العربية في انقلابات وحروب، مع فشل الدولة العربية بشكل فاضح في اختيار الأولويات، وتنصيب بعض القيادات العربية في السابق نفسها أنها (المخلّص)، ليس لشعوبها، ولكن للعالم أجمع، حيث تحمل رسالة هيمنة وتفوق.

ذلك التاريخ من التضليل، هو الذي أوصلنا إلى حروب عبثية متمددة، وتبديد الموارد، وخلط الأولويات، حتى بدا الفضاء السياسي العربي مشحوناً بالنزاع، ومقروناً بالفوضى، ومعاديا للحضارة العالمية.

المؤسف أن تلك الشعارات ما زالت بيننا، فقد أعادتها أحداث غزة المؤسفة إلى الصدارة، فأصبح بعض إعلامنا يضج بتلك الشعارات، وتبذل الجهود لتسويقها في بلاد عربية ما زالت تنعم بالاستقرار، حتى يزداد الجرح عمقاً، وتتدهور الأوضاع إلى ما آلت إليه مجتمعات الشعارات، متكسبة من الشعور العام السائد، والناتج عن رفض كامل لعملية الإبادة في غزة، وسيلة لتضليلها.

خط الفوضى العربي ذو الشعارات الزاعقة، هو الذي يسعى الآن ألا يفشى الاضطراب السياسي في الجوار، وتساعده الأمية التي تأخذ المجتمعات إلى التخلف، وحيث يسود الجهل، تنتعش كل الصراعات.